أرسلت "أزهار " من الأردن (اختصاصية تغذية، 35 سنة مسلمة)
مشاركة في موضوع البدانة واضطراب نظرة الجسد
السلام عليكم ورحمة الله. الدكتور وائل أبو هندي أسعد الله أوقاتك بكل الخير
لم أستطع منع نفسي من كتابة هذه الأسطر وذلك بعد تصفحي لعدة مقالات في مجال البدانة.. يصدف أنه خلال هذه الأيام يقام لدينا معرض الكتاب في الأردن وعلمت بشأن كتابك الجديد حول الريجيم والخيال وسوف أقتنيه إن شاء الله وأتصفحه ببالغ الأهمية.
دكتوري الكريم لقد عملت في مجال التغذية والحميات لفترة تربو عن العشرة أعوام ورأيت فيها العجب العجاب من النفسيات المختلفة لعل أهمها من تأتي إلى العيادة بهدف تخفيف الوزن وتأخذ البرنامج وتدفع ثمن الاستشارة ثم لا تلتزم به أبدا على النحو الصحيح ولا ينقص وزنها وتأتي لتحاسبني بحرارة أن برنامجي غير صالح، وخلال هذه الفترة التي تغيب فيها تأتي واحدة أو اثنتين من طرفها يتطوعن بأن يخبرنني أن فلانة لم تلتزم وأن غرفتها مليئة بالحاجيات الجاهزة والأطعمة السريعة .. ومن يرى حالها وهي تحاسبني وتصدق وبقوة أنها التزمت يجزم أنها مصابة بانفصام في الشخصية متعلق بالأكل فهي تأكل وتعتقد أنها لا تأكل .. تعتقد ذلك من أعماق قلبها..!!
وكنت أوجه العديدات منهن إلى موقع مجانين لتخفيف توترهن تجاه أجسامهن خصوصا أنني لم أر أن الأمر يستحق كل هذه الجلبة وأن جسمها لا بأس به .. ولم يخطر بي أنه سيأتي اليوم الذي أحتاج فيه أنا نفسي إلى كلمة تخفف من شعوري بالضغط النفسي بعدما آنست معاناتهن وعشت واقعهن..!!
طولي 155 وكان وزني دائما 55 زائد ناقص.. عشت فترة صباي وأنا أنظر إلى نفسي أني بدينة كعادة المراهقات، وربما كان هناك خوف من الأهل أن يزيد وزني أكثر من ذلك لأنني بعمر يفترض أن أكون فيه نحيلة وليس متناسقة.. لكن مضت الأيام وتزوجت وأنجبت طفلين ولا زلت محافظة على وزني.. طبعا كان يزيد خمسة أو ستة كيلوات بعد كل ولادة لكن أنجح في تخفيفها بمنتهى السهولة.. ففي النهاية تخفيف الوزن هو مهنتي ولعبتي.. شيء من الرياضة وتنظيم الأكل وتسير الأمور بسلاسة.. وعندما حافظت على هذا الوزن بعد إنجابي للأطفال فهمت أن النساء بدأن ينظرن إلي بأنني ناجحة جدا ومتألقة لقدرتي على أن أبدو بهذه الرشاقة بعد الإنجاب بعمليات قيصرية.
ثم أصبت بحصوات في المرارة.. آلام في الليل .. زيارات متأخرة إلى الطوارئ لأخذ إبر مسكنة قوية، ترامال وأخواتها.. طبعا ساعدت المرارة في نزول وزني أكثر فأكثر فأحيانا يستمر الألم 24 ساعة لا أستطيع تناول شيء خلالها.. غير الحمية الإجبارية عن جميع أنواع الدهون الجيدة والسيئة.. قارب وزني على الوصول إلى 50 كيلوغرام.. وكنت خائفة جدا من استئصال المرارة لأن الاستئصال مرتبط بزيادة الوزن.. تعايشت مع الألم خمس سنوات ثم كان لابد للأمر من نهاية، بعد نوبة طويلة من نوباتها أخذت قرارا بإجراء عملية الاستئصال.
ومن وقتها بدأت معاناتي فعلا
كنت في السابق أعزي نفسي أن ما يقال عن زيادة الوزن المرتبطة باستئصال المرارة هو محض هراء وأن الإرادة تحقق أي شيء، وتواصلت مع عدة نساء حول هذا الأمر لم تزد أوزانهن بعد عملية الاستئصال. طبعا حرصي الكبير على أن يكون وزني مناسبا لطولي هو عملي كأخصائية تغذية أولا إذ لا يمكن أن "أداوي الناس وأنا عليلة" وثانيا لأن لدي رغبة قوية في أن أبقى بصحة ممتازة مهما امتد بي العمر وأن لا أحتاج منة من أحد.
لقد أصيبت والدتي بمرض التصلب اللويحي منذ أن كانت في الأربعين من عمرها والآن هي في الثالثة والستين وتعاني معاناة كبيرة، لدي خوف كبير من المرض ومن عجز المرض، ولا أقدر شيئا في الحياة كنعمة الصحة بعد الدين. المهم أنه بعد العملية أدركت أن الوزن إذا زاد كيلو غراما واحدا فمن الصعب جدا خسرانه، وأنه علي أن أبذل خمسة أضعاف الجهد الذي كنت أبذله سابقا لكي أنقص كيلو غراما واحدا. تقول المقالات العلمية في هذا المجال أنه بسبب وجود خلل في هضم الدهون بعد إزالة المرارة فإن الجسم لا يحصل على كفايته لا من الدهون الأساسية ولا من الفيتامينات الذائبة في الدهن وبالتالي يثبت الوزن حفاظا على ما لديه بالفعل من مخزون.
وحدث بعدها أن حملت وأنجبت طفلة ثالثة بعد انقطاع ثمانية سنوات من آخر إنجاب، وهكذا زاد وزني ما يقارب خمسة كيلوغرامات مع الحمل والرضاعة أنزلت ثلاثة منها بالكثير من الصعوبة وثبت جسمي على الباقي.. وهكذا بعد مرور خمس سنوات على عملية استئصال المرارة ثبت وزني الآن على 65 كيلو غراما بالرغم من ممارسة الرياضة ووجود عامل تحكم ممتاز بالطعام.
أنا شخصيا أتقبل جسمي، وإن كان يؤلمني جدا أنني لم أعد بوزني السابق لكن مقارنة بالنساء من عمري أجد نفسي في حال جيدة، ثم إنني كنت أرى نفسي بدينة دائما وعلى كل الأحوال فلم يستجد جديد بالنسبة لي :) إلا أن من حولي هم الذين لا يتقبلون...
فعلا معاناة..
لا تراني أي واحدة من المعارف إلا وتخبرني كأنه ليس لدي مرآة : ياه زاد وزنك كثيرا !َ!
أما الأقارب فحدث ولا حرج، إحداهن وزنها 95 كيلو غراما تعرض علي أن أرتدي فستانها بالحفلة وعندما فتحت عيني على اتساعها استغرابا من هذا الطرح قالت لي انه زاد وزني وبالتالي قد يناسبني الفستان!
المشكلة أن معظم النساء اللواتي يعايرنني بزيادة وزني هن أنفسهن في حالة يرثى لها لكن لا يرين ذلك! وأنني من الناس التي لا تحب أن تدخل في جدالات حمقاء، ولم أجد حتى الآن جوابا مسكتا يجعل كل واحدة تنظر فيها إلى عيوبها الجسدية بدلا من أن تنظر لي، جوابا مسكتا وديبلوماسيا بحيث يسكت ولا يغضب، والنتيجة أنني أصبت بعقدة لا من نظرتي إلى نفسي بل من نظرة الناس لي..!!
وبالطبع تركت عملي في عيادة التغذية وانشغلت بأعمال أخرى لها صلة بالأمر. وكلما سألتني واحدة من زبوناتي السابقات عن سبب الانقطاع وعن ما إذا كنت سأعود تحججت لها بالعديد من الأسباب غير السبب الحقيقي وهو أنني لا أريد أن أسمع كلاما آخر حول وزني وأنه كيف "أداوي الناس وأنا عليلة" !!!
أنا لا أعرف.. أنا شخصيا كما قلت ليست لدي مشكلة معينة في تقبل وزني الجديد وأقول أهم شيء أنني بصحة جيدة، ولياقة جيدة، وأني مستمرة على التمارين ليس بهدف تخفيف الوزن بقدر أن يكون الجسم متناسقا ومرنا، وأتناول المكملات الغذائية التي تحتوي على أملاح المرارة الصناعية وأنزيمات هاضمة، ولا أفكر أبدا في أن أصاب بالقهم العصابي لسبب بسيط هو معرفتي بأن كل عنصر في الطعام له فائدة في الجسم ولا أريد أن أخرج من مشكلة زيادة الوزن إلى مشاكل صحية أخرى أبسطها تساقط الشعر وجفاف البشرة ونقص الفيتامينات وغيرها.. كما قلت لكم أنا أقدس نعمة الصحة جدا.. إلا أن هذا كله لا يساعد في أن لا أسلق بألسنة حداد كلما خرجت للناس والعالم، ولا من المقارنات السخيفة. سبحان الله.. أخصائيات التغذية أكثر الناس مرونة فيما يتعلق بالوزن، فأنا كنت عندما تأتيني الزبونة وأشعر أنها في مرحلة زيادة الوزن وليس السمنة أطمئنها وأخبرها أن أهم شيء هي صحتها ولياقتها وبعد ذلك من مقاسات عالمية لا تهم وأكون سببا في تهدئتها.. لكن هذا نحن فمن يفهم الناس؟؟؟
لقد بحثت عن مقالات في موقعكم تقدم معايير بديلة للمعايير العالمية للجسد التي تفرضها العولمة؛ فلعل في هذه المقالات فكرة تجعلني أرد بها على العالم وبالتالي أستعيد ثقتي بنفسي أمامهم، وأكون في موقف الهجوم بدلا من الدفاع، إلا أنني لم أجد شيئا مشابها.. وباسمي واسم كل من تعاني من مشكلة لا يد لها فيها؛ هلا قدمتم لنا هذا المقال؟ ما أهم شيء يجب أن يسعى إليه المرء ليمتلكه في جسده؟ وكيف يرد به على العالم المتغابية التي تعاني من مائة علة وعلة في جسمها لكن تجد لذتها في تحطيم الآخرين؟؟
شكرا لك دكتوري الفاضل وأعتذر جدا على الإطالة
وجزاكم الله خير الجزاء على ما تقدمونه
1/10/2018
الأخت الفاضلة "أزهار" أهلا وسهلا بك على موقع مجانين وشكرا جزيلا على الثقة وعلى عبارات الإطراء النبيلة.
تطلبين منا مقالا يقدم "معايير بديلة للمعايير العالمية للجسد التي تفرضها العولمة" والحقيقة أن فكرة وجود معايير أو مقاسات عامة وشاملة لكيف يجب أن يكون الجسد البشري هي بالأصل فكرة مضللة وغير صحيحة ولا عملية ولا واقعية .... اللهم إلا معيار واحد مسطور في مقالاتنا المبكرة على مجانين وهو المعيار الذي تبين سطورك أنك تدركين وتستوعبين بل تطبقين وقد قلت أعلاه (أنا شخصيا كما قلت ليست لدي مشكلة معينة في تقبل وزني الجديد وأقول أهم شيء أنني بصحة جيدة، ولياقة جيدة، وأني مستمرة على التمارين ليس بهدف تخفيف الوزن بقدر أن يكون الجسم متناسقا ومرنا،) فالمعيار هو أن يكون الجسد صحيحا صحيا ومرنا يسمح للإنسان أن يحيا نشيطا بشكل طبيعي..... يعني بغض النظر عن المقاسات هذا هو المهم.
في مقال قديم على مجانين هو أكذوبة أيزو الجسد الإنساني وقفنا عند قوله تعالي الذي هو دليل أن التنوع سنة الله في خلقه وآية من آياته سبحانه: يقول جل وعلا: {وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ* إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ...........} (هود:118، وأول الآية :119) صدق الله العظيم، وأيضًا:{وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِلْعَالِمِينَ} (الروم:22) صدق الله العظيم، فهذا دليل على أن تنوع الناس في كل شيء هو سنة الله في الأرض، وأما دليل أن تقييم الناس لأنفسهم ولبعضهم بعضا يفضل أن يكونَ بمضامينهم لا بأشكالهم فيكفيك قوله عز وجل:{يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} (الحجرات:13)، صدق الله العظيم، وحديث النبي صلى الله عليه وسلم: عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن الله لا ينظرُ إلى أجسادكم ولا إلى صوركم، ولكن ينظرُ إلى قلوبكم" صدق رسول الله عليه الصلاةُ والسلام أخرجه مسلم في صحيحه، كل هذا يشير إلى مجتمع قائم على التنوع المقبول في أشكال وأحجام الناس.... ثقافة تقوم على التفكير الضام Inclusive Thinking على قبول الاختلاف في خلق الله.
ومفاهيم مثل الوزن المثالي والجسد المثالي هي بعض تجليات ما حدث من تغيرات في كيف يقيم الناس أنفسهم وبعضهم بعضا بعد طغيان الحضارة والثقافة الغربية. ومما يميز ويعيب الفكر الغربي التقليدي أنه تفكير إقصائي Exclusive Thinking بمعنى أن نموذجا معينا لكل صنف من أصناف الموجودات (المادية والمعنوية) هو النموذج المثالي Ideal Model، وما عداه بالتالي أقل مثالية وأقل قيمة، وتحت الضغوط التي أصبح يعيشها الناس في كل مجتمعات العالم الحديثة وكلها مجتمعات تشربت القيم الغربية كأهمية وضرورة التنافس، وثقافة الصورة والعناية بالشكل ولو على حساب المضمون، تحت هذه الضغوط ترزح حياة الملايين من الناس في الغرب والشرق بين صالات الحمية المنحفة وعيادات التجميل.
وفي بلد عربي هو موريتانيا التي تأخر دخول التليفزيون فيها مقارنة بباقي الدول العربية ... ظلت وأظن ما تزال المرأة البدينة هي الأجمل حتى أنك تتعجبين لو سمعت عن عادة التبلاح فعند الزواج وقبله وبعده كلما زاد وزن الفتاة، كلما زاد فخر العائلة!!.. فالسمنة لدى الفتاة الموريتانية دليل على ثراء وعز العائلة، وما قصدت بهذا الحديث عن موريتانيا التي أتوقع الأمور فيها سريعا ما سوف تتغير إلا لأدلل على الأثر الكبير لفخ الصورة على المجتمع البشري.
فقد ارتبطت التشوهات المتزايدة في رضا الناس عن أجسادهم وفي صورهم العقلية لـ "كيف أبدو؟" بالتغير الثقافي الفادح الذي أحدثته تكنولوجيا الصورة في كل مناحي الحضارة البشرية الحديثة... وتواكب ذلك وساعد بلا شك في عولمة النموذج الغربي الإقصائي للجسد النحيل الجميل.... ورغم محاولات الانتباه لذلك الأثر المحزن لعولمة نموذج الجسد النحيل من خلال الصورة والإعلام ومحاولة وضع نماذج أخرى طبيعية كمحاولة لتعديل التفكير الإقصائي بتفكير يضم نماذج تشبه الناس فبدأنا نرى صورا لزائدي وزن ناجحين وأيضًا لبدينات وبدينين، إلا أن التحرك جاء متأخرا أو ضعيفا فلم يفد كثيرا أن استخدم بعض أصحاب الوزن الزائد في الإعلانات مثلا (بشكل محترم وليس للسخرية كما حدث لسنوات)، وأصبح الوعي المفرط بالوزن وصورة الجسد ومدى اقترابها أو ابتعادها عن النموذج المعولم سمة لا تكاد تستثني أحدا.
يا ترى ما زلت تسألين عن المعايير البديلة ؟ ما رأيك بمقارنة المعايير التي تنبثق عن تفكير إقصائي بتلك التي تنبثق عن تفكير استيعابي ؟ أيها ستكون أضيق؟ الحقيقة أن المعايير الجسدية التي تناسب مجتمعنا المتدين هي كل المقاسات ما دامت في حدود الصحة الجيدة والقدرة على استعمال الجسد الاستعمال الأمثل .. لكن ليست هناك مقاسات معينة المهم هو أن الجسد يقوم بوظائفه. بالرغم من ذلك مع الأسف فإن مجتمعنا عامة لا يعبأ بما يناسبه أو لا يناسبه وإنما هو منجرف في عبادة الصورة والنموذج... ونحن الآن في مرحلة انحدار سريع لا ينتظر فيها أن نتمهل !.
واقرأ أيضاً:
مقالات عن البدانة / مشكلة البدانة في العالم العربي مشاركة / مقالات عن صورة الجسد / نصائح لمتبعي برنامج جدد علاقتك بأكلك وجسدك