أرسلت نور (تمهيدي ماجستير، 24 سنة، مصر) تقول:
التواكل النفسي
في البداية أريد أن أشكر الدكتور مصطفى السعدني على المجهود الرائع فقد تعلمت كثيرا في باب تأكيد الذات، أما عن التواكل النفسي فإنني بعد قراءتي أكثر من مرة للموضوع شعرت بأنني أملك ما يسمى بهذا التواكل النفسي فمن منا لا يملكه, من منا لا تمر عليه لحظات يحتاج فيها إلى أناس ليسمعوه ليلقى عليهم ما في صدره من هموم وأحزان،
وأنا بصفة خاصة على الرغم من أنني شخصية كتومة جدا ومنغلقة على أفكاري الخاصة وآرائي التي أعلم أنها لا تعجب الكثير ممن حولي, إلا أن هناك صديقه لي أعتبرها توأمي الروحي والتي أبوح لها بكل ما يدور بعقلي وقلبي، وعندما تغيب هذه الصديقة أشعر أنني في حالة عدم اتزان وأنني وحيدة أشعر بحزن عميق ليس فقط لغيابها ولكن لإحساسي بهذا الضعف فطالما كرهت هذا الشعور لأني بطبيعتي إنسانة قوية والعجيب في الأمر أن صديقتي إنسانة رقيقة بسيطة جدا ليست مسيطرة، كما قد يظن من يرى حالتي بدونها!، ولذلك أريد من دكتور مصطفى السعدني أن يرشدني عن كيفيه التخلص من هذا الإحساس بالضعف الذي قد يصيب الكثير منا ممن قد يصابون بالعجز في غياب من يحبون؟!.
الابنة العزيزة نور.....
تحية طيبة وشكرا لمشاركتك.
أريد أن أقول أن التواكل النفسي ليس معناه التعلق بصديق ما أو أحد الوالدين، فليس عيبا أن أحب صديقا أو أن أحب والدي، وليس معناه أن أتعلق شغفاً وحباً محبة بأحد والدي أو بأحد أصدقائي أو صديقاتي، ولكن العيب كل العيب هو أن يتسلط أحد الطرفين على حياة الآخر لدرجة أن الطرف الآخر يُذعِن تماما لسيطرة الطرف الأول، فعند هذا الحد أكون قد سقطت في هوة التواكل النفسي، وقد أوضحت ذلك في قصة الدبة الأم التي تركت طفليها بعد أن تيقنت أنهما يستطيعان الاعتماد على نفسيهما تماما وشق طريق حياتهما بنجاح، وكذلك قصة الفلاح الذي حاول أن يعتمد على مساعدة أحد جيرانه في قطع شجرة ما بحقله، ولكنه فشل ولم تنجح محاولاته إلا بعد أن اعتمد على القدرات الحقيقية المتاحة له، تلك القدرات المتمثلة في الاستيقاظ مبكرا هو وابنه ومحاولة الاعتماد على نفسيهما في قطع تلك الشجرة؛ فنجحت المحاولة،
ولنا هنا وقفة هامة، ألا وهي: أن وجود من نحب بجوارنا وتأييده لنا ومحبته ودفعه لجوانب القوة فينا ليس معناه أبدا تسلطه علينا ومحاولاته التدخل في شئون حياتنا الخاصة والعامة؛ وبدوري عليَّ الإذعان التام والطاعة الكاملة لمطالبه ورغباته على طول الخط بلا اعتراض وبلا تحفظات لأنني أعتمد عليه تماما في كل شئون حياتي شكلاً وموضوعاً؛ وهذا هو التواكل النفسي بعينه، أما إذا كانت المحبة والألفة بين طرفين تقوم على احترام كل طرف لمشاعر الآخر ورغباته، وأننا قد نكون مختلفين في الرأي في أحيان قليلة، ولكن متفقين في معظم الآراء، ورغم ذلك فلا يطيق أحدنا البعد عن الآخر، ونتسامح فيما اختلفنا فيه ونتآلف فيما اتفقنا عليه، وهنا تكون الصداقة أو المحبة أو الألفة قائمة على أصول صحيحة وصحية، وقد أُصاب بصدمة مدوية إذا فقدت ذلك الصديق أو الوليف، بموته مثلا!!، لا قدر الله، وسامحيني في اختيار هذا المثل؛ ولكن الموت حق علينا جميعاً، وستجدين أن عجلة الحياة لا تتوقف أبداً بالنسبة لنا جميعا كبشر، ولأن هذه الصديقة ليست مسيطرة ولا متسلطة عليك ولا متدخلة في شئونك الخاصة، وأظنك كذلك في علاقتك معها؛ لكل هذه الأسباب أطمئنك بأن تلك العلاقة مع صديقتك ليس فيها تواكلاً نفسياً.
سأضرب لك مثلا من التاريخ، وهو وفاة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وموقف أصحابه رضي الله عنهم أجمعين من ذلك الحدث الجلل؛ فهل كان هناك تواكلا نفسيا على شخص الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم من صحابته؟!، بالتأكيد لا، وألف لا، والدليل على كلامي أنهم رضي الله عنهم نشروا رسالته وأدوها على خير وجه بعد وفاته صلى الله عليه وسلم، وهل حبك لصديقتك أكبر من حب الصحابة للنبي الكريم صلى الله عليه وسلم؟!، أستغفر الله، ما يكون لشخص عاقل أن يقول مثل هذا الكلام!.
ابنتي العزيزة؛
لا تكرهي تعلقك بصديقتك وتوأم روحك وحبك لها هذا الكم الكبير من الحب!!، وأنتما في علاقة ليس فيها تواكلا نفسيا، وأظن أن أحاسيس الضعف البشري والحزن وعدم الاتزان الذين تشعرين بهم جميعا -عند ابتعادها عنك- هم نوع من الوهم أو الإيحاء السلبي لنفسك، والحل هو عكس تلك الأحاسيس والمشاعر، وليكن صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم قدوة ومثلا لك وكيف حولوا كل تلك المشاعر السلبية التي من المتوقع أن يعانوا منها بعد وفاته صلى الله عليه إلى طاقة إيجابية بناءة عم نورها أرجاء الأرض، ولأن صديقتك هي كائن بشري وحسب، وقد تكون من الصالحات، ولكنها لن ترقى أبدا إلى درجات الأنبياء والصديقين من أصحابهم، فعليها ينطبق قوانين البشر؛ وللأمانة وحرصا عليك وعلى مشاعرك الرقيقة الراقية،عليَّ أن أذكرك بأهمية عدم المبالغة في الحب أو الكره لغيرنا من البشر، يقول الشاعر:
أحبب حبيبك هونا ما عسى أن يكون عدوك يوما ما
وابغض عدوك هونا ما عسى أن يكون حبيبك يوما ما
أتمنى لك يا ابنتي دوام الود والألفة مع صديقتك، وحفظها وحفظك الله من كل شر وسوء؛ ووقاكما الله من نزغ شياطين الإنس والجن؛ فهذه المشاعر الدافئة قليلا ما نراها في هذه الأيام قاسية البرودة، وتابعينا بآرائك ومشاركاتك.
يتبع >>>>>>>>>>> هذا ليس عدلا