الغيرة مشهد جانبي لطلب العدالة أرسلت سنا (25سنة، لا تعمل، مصر) تقول:
هذا ليس عدلا
هذه العبارة كثيراً ما رددتها في الأيام الماضية فلقد تمت خطبتي لشخص أحبه كثيرا إلا أنه مازال يكن مشاعر عميقة لخطيبته السابقة فيتحدث عنها كثيرا أمامي، وعلى الرغم من أنها لم تقف بجانبه ولم تكن تحبه، إلا أن هاجس حبه لها مازال يراوده، وأنا يا سيدي لن أتحدث هنا عما قمت به من أجله لأنني أعتبر أن ما قمت به هو واجبي نحو من أحب إلا أنني إلا بعد مرور الوقت بدأت أشعر بشبح عبارة: "هذا ليس عدلا" يسيطر علي، ويشعرني بالغيظ والحقد فأتعذب كثيرا باجتماع هذه المشاعر في آن واحد؛ فالشخص الذي أحبه كثيرا هو نفسه الذي أشعر تجاهه بالحقد وأرغب بالتمرد عليه!،
أنا بالفعل أقوم بواجباتي؛ أحاول أن أحسن من نفسي، أن أشعره بالأمان وبعد كل ذلك لا يراني ويراها هي!، هي التي لم تفعل شيئاً، هي التي طردته من حياتها، هي التي لم تحبه (وهو واعي لكل ذلك) ومع ذلك يفكر فيها دائما، قد يتصور البعض أن هذا حباً، إلا أنني أعرف جيدا أنه يتعلق بالشيء بعيد المنال، وأتساءل إذا كان استمراري في هذه العلاقة مع إدراكي لكل أبعادها صحيح أم لا؟!
بداخلي شعور أخشى أن أنفجر يوماً، ولا أستطيع التحمل، وآمل في أن يأتي اليوم الذي أشعر فيه بأني حقا ملكت قلب حبيبي.
تعليق الدكتور مصطفى السعدني:
الأخت "سنا".....
أهلا ومرحبا بك على الموقع، وأرحب بهذه المشاركة الشائكة، والتي ينطبق عليها قول سيدنا الإمام الشافعي:
أهلا ومرحبا بك على الموقع، وأرحب بهذه المشاركة الشائكة، والتي ينطبق عليها قول سيدنا الإمام الشافعي:
ومن البلية أن تحـ ـب ولا يحبك من تحبه
ويصد عنك بوجهه وتلح أنت فلا تغبـــه
والغريب أن هذا القول منطبق عليك وعلى خطيبك؛ فأنت متعلقة به شغفا وحبا وهياماً، وهو يعيش في عالم آخر بعيدا عنك بقلبه وبعقله وإن كان قريبا منك بجسده؛ هو يحيا في خياله مع من لا تحبه ولا تعطيه أي اهتمام ولا تبادله أي عاطفة!، وعلى الرغم من ذلك هو متعلق بحبال ذلك الحب الواهي، وهكذا الإنسان دائما يسعى إلى الشيء الممنوع أو بعيد المنال، وكما قيل: "الممنوع مرغوب"، ومن يدري فقد يكون هناك من يحبك أنت ويهيم بك؟، وأنت لا تشعرين حتى بوجوده قريباً منك!!، ما أعجب الحب؟!، وما أعجب أحكامه؟!.
يقول أحد الحكماء: "إذا كان هناك من يحبك فأنت إنسان محظوظ، وإذا كان صادقا في حبه فأنت أكثر الناس حظا"، ويقول حكيم آخر: "ليس أقوى من المرأة عندما تكون محبوبة، وليس أضعف منها عندما تحب".
وأنا أحس بضعفك في تعلقك بهذا الشخص، ولكن المشكلة الأكبر هي أنه سيظل يبحث عن الإنسانة التي رفضته وابتعدت عنه طوال حياته!!؛ حتى لو وجد واحدة أخرى تشبهها شكلا أو موضوعا، فلن يتردد في الوصول إليها بأي شكل وبأي ثمن، وقد يكون الثمن وقتها هو طلاقك منه -والعياذ بالله- إن اقتضى وصوله إليها ذلك، ولن يهتم ساعتها بعهد ولا وعد، ولن يهتم أيضا لا بأسرة ولا بزوجة عانت معه الأمرين، ولا بأولاد هم بحاجة إلى حب ورعاية أبيهم!، وهذا ما رأيته -أختي العزيزة- في حالات تشبه حالة خطيبك هذا!.
ولكنني هنا أحذر من بعض حالات "الحب القلق"، والذي يظن المحب فيه أن حبيبه غير مخلص له تمام الإخلاص، وتكون الأوهام هي الغالبة، وسوء الظن هو المقدم على حسن الظن، فيجِدُ أحد المحبين أنَّ الآخر يمانع في أَنْ يُصبح قلقاً مِثْله في عشقه له، ولهفته عليه!، ويَقْلقُ في أغلب الأحيان من أنّ شريكَه لا يُحِبُه حقاً، ولا يُبادِله حُباً ممزوجاً بالقلق قريباً من درجة الحب الذي أحبه له، أَو قد لا يرغب الطرف الآخر في البَقاءِ مَعه بحجة أنه يُثير قلقه.
أُريدُ الاندَماْج الكامل مَع الشخصِ الآخر الذي أحبه، وهذه الرغبةِ أحياناً تُخيفُ الطرف الآخر مني، وغالبا ما يؤدي ظني السيئ وأوهامي إلى اتخاذي لقرارات خاطئة يزينها الخيال لي، وقد يؤدي ذلك إلى خسراني لحبي في النهاية:
وأوهام الظنون فساد رأي وحيات الخيال هي الحبال
إن هذا النوع من المحبين يحتاج إلى محبوب مسالم ومستسلم لسلطان الحب، أو متهالك القوى أمام هذا الحب المتلهف المسيطر الجائر!، ويذكرني هذا الموقف بقول البحتري:
قد جَاءكَ الحبُ بي عبداً بلا ثمن إن خانَكَ الناسِ لم يعدو ولم يَخنِ
ما حل للحبِ إن الحب أعدمنـي صبري وحرّم أجفاني على الوسن
ويقول أبو عثمان الخالدي:
والحب لولا جوره في حكمه ما سلم الأقوى لأمر الأضعف
وما في الأرض أشقى من محب وإن وجد الهوى حلو المذاق
تراه باكيا في كل وقـــــت مخافة فرقة أو لاشتيـــاق
فيبكي إن نأوا شوقا إليهـــم ويبكي إن دنوا خوف الفـراق
ومعنى الأبيات: إن المحب أشقى أهل الأرض وإن كان يجد حلاوة الحب ولذته, فإنه يبكي ليل نهار خوفاً من البعد أو من الشوق والهيام فيبكي إن ابتعد من يحب عنه ويبكي إن اقترب حبيبه منه خشية الفراق وهكذا نراه دامع العين عند الافتراق ودامع العين عند اللقاء.
أختي الغالية؛
الحب ليس مسألة رفض أو قبول، أو مجرد كلمات جميلة تقع على مسامعك، الحب لا يقبل أنصاف الحلول، لا يمكن أن يقول الخاطب: أنا معك بصدق وما هو معك بحق، أنت بحاجة لأن تكوني أكثر وضوحا معه وهو كذلك، وأول شيء تطلبينه منه بصراحة هو ألا يثير مشاعر الغيرة والغضب والعناد لديك بذكر حبيبته وخطيبته السابقة أمامك ولا أمام من يعرفونك، مراعاة لشعورك، فإن فعل واستجاب فهذا من مؤشرات احترامه لك، والاحترام المتبادل هو أول درجات الحب بين التحابين.
أختي الفاضلة؛
أنت الآن تقولين كثيراً: "هذا ليس عدلاً"، ولكنني أخشى أن تقولي تلك العبارة أكثر وأكثر، بل كثيراً جدا لو تم زواجك من هذا الخاطب، آسف أن أقول لك أختي العزيزة هذا الكلام، ولكن أقول هذا من باب الأمانة، وبناءً على خبرتي مع حالات مماثلة.
أختي العزيزة؛
لك كل الحق في أن تستمري بعلاقتك مع هذا الشخص وتتزوجينه مع تحمل كل التبعات المترتبة على ذلك التصرف، ولا تلومين إلا نفسك في تكرار عبارة: "هذا ليس عدلا" كثيرا في المستقبل، كما أن لك الحق –بل وكل الحق- في أن تقولي: لا يلزمني مثل هذا الحب الذي سيحطم معنوياتي ويجعلني أسيرة رجل متعلق قلبه بأخرى طوال حياته!، وأظنك عندها ستواجهين واقعاً أفضل بأمر الله، على الأقل فأنت لن تكرري عبارة: "هذا ليس عدلا" بخصوص هذا الشخص المتعلق قلبه بأخرى.
أتمنى لك كل التوفيق في اختيار من يحبك وتحبينه بإخلاص، كزوج صالح للمستقبل يقف بجوارك صلداً في مواجهة محن وإحن الحياة الكثيرة المتعددة، وفي النهاية تقبلي خالص تحياتي وأمنياتي الطيبة، وتابعينا بأخبارك.
يتبع >>>>>>>>>>> أمثلة عن الإلحاح في طلب العدالة