الأمة نهضت وانطلقت وبدأت مشاعلها تومض وتنير، وما أسست له تحقق الإجهاز عليه. فتحوّلت النهضة إلى جهضة من الإجهاض، أي إسقاط الحمل قبل بلوغ أوانه، وأجهض الشيء أسقطه وقضى عليه.
كيف حصل ذلك؟
الأمة بروّادها وجهابذة فكرها ورموز ذاتها وهويتها، ابتدأت مشوارها سبّاقة لغيرها منذ منتصف القرن التاسع عشر، فأوجدت أعلاما يعبّرون عن جوهرها وتطلعاتها، ويرون السبل الكفيلة بتحققها وتفاعلها مع العصر. وهؤلاء هم رواد نهضتها وأسماؤهم معروفة ومؤلفاتهم موجودة ولا تزال على الرفوف.
وماذا جرى؟
انطلق أعداؤها بواسطة أبنائها للإجهاز على إرادتها وتمزيقها وإيهامها بما لا يمكنه أن يكون، فأشاعوا مفاهيم بالية وأسسوا أحزابا مأجورة موالية، واتخذوا من الدين وسيلة وذريعة مواتية. فتم تأسيس أحزاب مؤدينة ترفع شعارات خاوية في مقدمتها الإسلام هو الحل، والهدف منها كان لمواجهة الشيوعية التي انتشرت في بداية القرن العشرين، وقبلها استغلت الفكرة القومية للقضاء على الدولة العثمانية، فأسست الجمعيات والمنتديات وهي أحزاب مضادة للوطنية والقومية في حقيقتها وآلياتها.
ومضى سعير الدين السياسي يمزّق الأمة ويحطمها ويبعثر جهودها ويبعدها عن عصرها، ولا يزال له دوره الأكبر في ترقيدها ونفي وجودها وإلغاء دورها الحضاري والإنساني، رغم ما فيها من القدرات والثروات.
وأكد دوره السلبي بمسمياته وتفرعاته وأجنداته وممارساته، التي تعددت وتنوعت، وغايتها واحدة، خلاصتها إعاقة الأمة وإطفاء أنوارها، وتدمير ما يدل على قوتها وعزتها وكرامتها. وبسبب ذلك فالأمة مجهوضة الإرادة معوّقة التطلعات، والدين بتحزباته ينخرها كالأرضة، ويؤدي ما يحقق أهداف الطامعين بها وبأجيالها.
فهل عرفتم لماذا استفحل الاستبداد والاستعباد في أمة تقرأ كتاب "طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد" للكواكبي منذ بداية القرن العشرين؟!!
واقرأ أيضاً:
الباليات والعاديات!! / امتزاج وانعراج!!/لن ينتصر الشر إذا انتصر الأشرار!! / سطوة لكن!!