الفصل التاسع عشر
الشجاعة هي الخلق الذي يتسلح به الصغار ضد ضغوط الرفاق، إنها الشيء الذي يجب أن يعتمدوا عليه عندما يتم إغراؤهم بعمل أشياء هم على دراية بخطئها، من الممكن أن يتسبب الإحباط الذي يشعر به الطفل بسبب افتقاره للشجاعة وغياب الثبات الداخلي، الذي يمكنه من مقاومة الإغراءات المحرمة؛ من إدمان للمخدرات والكحول والممارسات الجنسية السيئة وحتى الانتحار.
الشجاعة هي التي تساعد الأبناء على رؤية ما وراء الإغراء المباشر والصريح بالأفعال المحرمة، الاتسام بالشجاعة يعني أيضا أن تكون قادرا على رؤية الضوء في نهاية النفق المظلم، وأن تكون قادرا على مواجهة الصعوبات والإيمان بالنفس لدرجة تدفعك للتقدم مدركاً أنك سوف تصل لغايتك بسلام.
وتنمية صفة الشجاعة هي في غرس احترام الذات والثقة بالنفس في نفوس الأطفال حيث يعد كل منهم عنصرا أساسيا للشجاعة، شجع ابنك على الإقدام على المخاطر المحسوبة دون أن تقلق بخصوص النتائج، اتركه يتخذ قراراته بنفسه دون أن تنتقدها إذا كانت قرارات خاطئة، اتركه يعبر عن مشاعره وأفكاره بصراحة ودون رقابة أو اعتراض.
تقوى الشجاعة وتشتد أيضا عند حدوث تغيير غير متوقع، إن أحداثا مثل الانتقال إلى سكن جديد أو وفاة أحد الأقارب أو وفاة حيوان أليف أو تغيير المدرسة أو عندما يحدث طلاق بين الأبوين كلها أشياء تتطلب حديثا من القلب للقلب يؤكد للأطفال أن هذه الأوقات الصعبة سوف تمر إذا هم تحلوا بالشجاعة والتصميم كي ينظروا إلى هذه الأحداث من خلال شجاعتهم، أخبرهم أن الصدمات والأزمات جزء من الحياة، وتخطي هذه الصدمات الآن سوف يساعدهم على التعامل مع الصدمات الأخرى التي سوف تحدث في المستقبل حتما.
الطموح
الطموح في أحد تعاريفه هو: "السعي بنشاط نحو الهدف"، وفي تعريف آخر: "هو رغبة جادة للإنجاز"، هل رأيت ذات مرة طفلا صغيرا وهو يختبئ خلف رداء أمه؟، إنه لا يبدو طموحا بل وجباناً في موقعه هذا، أليس كذلك؟، هذا شيء طبيعي لطفل عمره ثلاث سنوات، لكن بعض الأبناء يظلون في موقعهم هذا للأبد، ليس لديهم شجاعة أو طموح، ويظل الطفل هكذا حتى تجذبه أمه برفق من خلف هذا الحاجز الواقي فتنمو لديه الرغبة في الخروج إلى منطقة أخرى غامضة بالنسبة له؛ هذه الرغبة هي ما نسميها الطموح.
إن الطموحين من الناس يعانقون الحياة ويتمكنون منها، فهم يتمتعون بروح الفضول والتفاؤل المشرق الذي هو بمثابة الوقود لأي فتح جديد، من أين تأتي هذه الروح؟، تأتي هذه الروح من البذور التي يزرعها الآباء والأمهات كي تحفز أبناءهم للبحث عن التجارب الجديدة والطرق غير المعروفة، تلك الطرق التي قد تقود أحيانا لغايات غير مؤكدة.
اقترح أحد الآباء على ابنه الذي يبلغ خمسة عشر عاما من عمره أن يهتم بمشروع طموح سوف يعلمه أن يثق في قدراته على إنجاز الأعمال غير الاعتيادية، مثل أن يصنع شيئاً ما ينفعه في هواية من هواياته المحببة.
الروحانية
إن الإيمان الروحاني الشديد يمنح الأطفال نوعا من الشجاعة، شجاعة تباعد بينهم وبين الممارسات غير الشرعية للجنس والمخدرات وما شابه، بل تفعل ما هو أكثر من هذا، إن الإيمان الديني يفضح أفكار مذهب المتعة الذي يسيطر على وسائل الإعلام والذي ينادي بأن أهم شيء في هذه الحياة هو الثروة والمتعة التي تستمتع بها الآن وفي هذه اللحظة، يساعد الإيمان بالدين الإنسان على النظر إلى ما وراء الأشياء الظاهرية سريعة الزوال، كما أنه يقوي عزيمتهم كي يقاوم تيارات الإغراء.
أخبرنا كثير من الآباء والأمهات أن أهم شيء بالنسبة لهم بخصوص مسألة الدين والإيمان هو مفهوم الحب، ولا يهم من أين تأتي هذه الرسالة المحملة بالحب؛ سواء من الإنجيل أم من التوراة أم من القرآن؟!، أم من أي رسالة إلهية أخرى؟!، فكل حر في عقيدته.
يقول أحد الآباء: لقد تعلمنا أن نوقر الله من خلال معاملتنا لبعضنا البعض بالحب والاحترام والتقدير الذي نريده لأنفسنا، وبأن نسامح الجميع ونغفر لهم –بما في ذلك أنفسنا– عندما نعتقد أننا قد ارتكبنا خطأ ما، إن الشيء الأكثر فاعلية الذي يستطيع أن يتعلمه الطفل الصغير هو أن يشكر الله على نعمه، إن أبناءنا في حاجة لأن يقضوا وقت الصلاة يشكرون الله على عونه لهم، لا أن يسألوه مزيدا من الممتلكات التي لا يحتاجونها.
الصدق والأمانة
أعترف أحد المحامين –والذي اعتاد أن يفكر مليا فيما يقول- أنه لم يكن مستعدا في ذلك اليوم الذي جاءته فيه ابنته الصغيرة ذات الستة أعوام وهتفت قائلة: "إن أخي يقول لي أن كل البشر سيموتون حتى أنت يا بابا، وهذا يخيفني!!!!"، كان الأب يدرك أن ابنته صغيرة جدا كي يغامر بتدمير الصورة التي في خيالها عن الحياة، وعن ضرورة الكفاح فيها لمن يمنحه الله العمر، وتذكر أنه كان دائما يرى أنه يجب عليه أن يعلم الأطفال الأشياء التي يعتقد أنها الأكثر أهمية ويضحي بالأشياء الأقل أهمية، وفي هذه الحالة كان الصدق هو القضية الملموسة والأكثر أهمية، فهو لم يفكر في الكذب عليها – على الرغم من أن هذا هو التصرف الوارد والسهل للخروج من هذا المأزق، ولأنه أراد أن يكون صادقا تماما مع ابنته فقد وجد أنه ليس هناك أفضل من هذا الوقت كي يشرح لها تصوره عن "الله عز وجل وقدرته"، فأخبرها أن الموت فعلا حق على كل البشر، وأن هناك إله رحيم بنا كبشر، وأن الموت هو بداية حياة من نوع آخر يُجازى فيها الخيِّر بالخير ويُجازى فيها الشرير بما هو أهله، ولكننا لا نستطيع رؤية ذلك بأعيننا أو نسمعه بأذاننا، ودلل على ذلك بأن الكهرباء موجودة في كل مكان، لكن ليس من الضروري أن يصيبك تيار صاعق حتى تعرفي أنها موجودة، لذا كان الصدق في هذه الحالة هو الشيء الصحيح الذي فعله هذا المحامي.
يتبع >>>>>>>>>>> تأكيد الذات ما لم يراعه واطسن مشاركة11