الفصل التاسع عشر
مما لا شك فيه أن القيادي الناجح هو الذي يمتلك صفة القدرة على اكتشاف المواهب وتوجيهها التوجيه السليم.
وبين أيدينا موقف من مواقف الرسول - صلى الله عليه وسلم - يجسد لنا كيفية اكتشاف أحد المواهب، وكيفية توظيفها، وأثر ذلك على الأمة.
فبعد فتح مكة أمر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بلالاً أن يصعد فوق الكعبة ويؤذن، فأذن بلال أول أذان، وفي أثناء ذلك أخذ بعض مشركي قريش يستهزئون ويقلدون صوت بلالٍ غليظاً، وكان من جملتهم (أبي محذورة) الجمحي -سلمة بن معير- وكان أحسنهم صوت، فلما رفع صوته بالأذان مستهزئا سمعه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فأمر به فمثل بين يديه، وهو يظن أنه مقتول فمسح على ناصيته وصدره بيده الشريفة، قال أبو محذورة فامتلأ قلبي إيماناً ويقيناً فعلمت أنه رسول الله فألقى عليه الرسول -صلى الله عليه وسلم- الأذان وعلمه إياه.. وأمره أن يؤذن لأهل مكة.. وكان عمره ست عشرة سنة.
ومما يؤيد النظرة الإبداعية والتربوية للنبي -صلى الله عليه وسلم- بشأن استقطاب المتميزين.. دعاء النبي -صلى الله عليه وسلم- (اللهم أعز الإسلام بأحد العمرين عمرو بن هشام أو عمر بن الخطاب) وكلاهما كان له تأثير عظيم، ومن ثَمَّ رجا النبي -صلى الله عليه وسلم- نصرتهم.
ومن الجدير في هذا الشأن أن الذي يحمي المتميزين متميز ومبدع، وإذا أردت أن تنظر إلى عظمة الإنسان فابحث عن من حوله ومن يستشيرهم في قضاياه واتجاهاته.
العصف الذهني.. وإثارة الأسئلة
لا تنحصر أهمية العصف الذهني، وإثارة الأسئلة على جذب انتباه المستمعين والمشاركين فحسب، ولكنها دعوة مفتوحة للتربية العقلية، وتوسيع المدارك، والإفصاح عن وجهات النظر في المشكلة المطروحة.
وقد كان هذا منهج النبي الكريم -صلى الله عليه وسلم- في عرض القضايا، ومن ثَمَّ تحولت جلساته إلى ساحات للحوار والمناقشة والثراء الواسع، وفي هذا الجو ينشأ المتميزون المبدعون، ومن أمثلة هذه الأطروحات والأحاديث النبوية:
- أتدرون من المفلس؟
- أتحب أن يلين قلبك وتدرك حاجتك؟
- أتحبون أيها الناس أن تجهدوا في الدعاء؟
- أتدرون أين تذهب الشمس؟
- أترضون أن تكونوا ربع أهل الجنة؟
النقود
النقود ليست قيمة من القيم لكننا نراها في مجتمعنا وقد أصبحت أكثر جدارة بالثناء من أي قيمة أخرى؛ لذا لابد من التساؤل لماذا نقدسها؟ لماذا نسعى وراءها بكل شراسة؟، لماذا نقامر من أجلها؟.
تظهر أهمية النقود في فناء المدرسة أيضا، فبعض التلاميذ يرتدون ملابس فاخرة والبعض الآخر يرتدي ملابس مستعملة، بعض الآباء أطباء والبعض الأخر بوابون وعمال، لذا تتفاوت الدخول والإمكانات تفاوتا هائلا؛ لذا علينا أن نفعل ما يلي:
اشرح للأطفال الصغار العلاقة بين العمل والدخل، أخبرهم أن كل شيء مرتبط ارتباطا مباشرة باجتهادك في العمل، اصطحب الأطفال معك إلى العمل من آن لآخر، وهناك كلفهم بإنجاز مهمة صغيرة في مقابل أجر مناسب، وانظر ماذا يحدث بعد عشر دقائق، سترى إدراكا جديدا لمفهوم العمل والنقود.
اشرح لهم ما يحدث في دائرة النقود: أنت تساعد الشركة التي تعمل بها على تقديم سلعة أو خدمة تفي بحاجة ما لدى الناس، الذين يدفعون للشركة مقابل هذه السلعة أو الخدمة، وبالتالي تحصل أنت على بعض هذه النقود كأجر نظير عملك، ليس هناك طعام لأي شخص دون مقابل.
عندما يدخل الأطفال المدرسة الابتدائية يستطيعون في العادة أن يدركوا معنى ميزانية الأسرة، يمكنك عقد اجتماعات تناقش فيها وضعك المالي والنفقات المسموح بها للطفل، وتصف أم أنها جعلت ابنتها التي تبلغ من العمر اثنتي عشرة سنة تكتب الشيكات لشهرين متتالين بنفسها مما جعلها تدرك لأول مرة كم من المال يٌنفق لإدارة البيت ولتكلفة معيشة الأسرة!.
التشجيع على الاجتماعيات
قد يؤدي الطفل أداء حسناَ في الأمور المدرسية، وقد يسلك سلوكا لائقا بالمنزل، وقد يكون ملتزما بمنهاج أخلاقي صارم، ولكنه لا يكون اجتماعيا، وتراه دائما في وحدة بعيدا عن الزملاء والأصدقاء، وتبين القصة التالية كيف أن الفرص في حياة أحد الأولاد قد تدرجت من الضعف التام في الناحية الاجتماعية إلى الانعدام التام:
"كنت أقضي وقتا طيبا في التجمع العشرين لأصدقاء دراسة المرحلة الثانوية، حتى جلسنا لتناول العشاء، على المائدة كان هناك قائمة بعنوان كل فرد ووظيفته الحالية، عندما تفتحها تجد في الصفحة الأولى نعي لأحد الزملاء الذي يكون قد فارق الحياة، وحينما وضعت يدي على أحد الأسماء قالت لي إحدى الزميلات أنه انتحر من فوق كوبري، وكنت أعرف هذا الزميل منذ كنا في المرحلة الابتدائية، حيث كان يبدو غريب الأطوال ولا يوجد أحد يحبه، كان خجولا ودائما منفردا، لم يحاول أبدا أن يلعب معنا، وفي المدرسة الثانوية اندمج في أشغال الخشب، كنت نادرا ما أراه، وعندما أراه لا أجده يتحدث مع أحد، لذا فإنني أعتقد أنه لم يستطع تحمل حياته أكثر من هذا أو أنه قد تعب من تعاسته طوال حياته، وشعرت باستياء كبير لما حدث له".
لذا لابد من تعلم مهارات التواصل الاجتماعي، فهو شيء خطير وحاسم لتحقيق تفاعل ناجح مع الآخرين، بداية من الطفولة وحتى سن البلوغ، قد تجد صعوبة في تكوين صداقات في المدرسة الابتدائية أو في الالتحاق بالنادي الجامعي أو فيما بعد بأية مؤسسة أو شركة، فقبل أن يشارك الطفل في اجتماعات صحية لابد أولا أن يؤمن بأنه شخص جدير بأن يتخذ كصديق، وهذا يشمل احترام الذات، وكذلك هو في حاجة لأن يلتقي بالناس من كل الأعمار حيث يستطيع أن يراقب السلوك الاجتماعي الماهر وتأثيره على الآخرين من خلال سلوكيات بعض الناس أمامه، وأخيرا يجب أن يمارس ما قد تعلمه وأن يحاول تكوين صداقات بحيث يتمسك بهؤلاء الناس وتلك الأنشطة النافعة، ويرفض ما غير ذلك.
يتبع >>>>>>>>>>> التفاوض