الأرض تدور وما عليها يتغير، وما في الكون الدائب الحركة يتبدل، فالأحياء والجمادات لا تبقى على حالها وتتواكب مع الطاقات الناجمة عن الدوران، الذي يمزج العناصر الخلقية ويستولدها ما هو جديد. وقوانين الكون الدقيقة المنضبطة تجري على الموجودات كافة، وتحكمها بآلياتها ومقتضيات كينونتها وصيرورتها الواجبة اللازمة للتوافق مع إيقاع الحركة الدورانية.
فما في الوجود يتجدد ويتطور ويتوالد ويكتسب خبرات ومعارف وعلوم متفوقة على السابق منها، فالأجيال المعاصرة تعرف أكثر من الأجيال السابقة، والأجيال القادمة ستكون ذات معرفة وإدراك أكثر من الأجيال المعاصرة وهلم جرا، وبهذا تكتسب الأجيال شرعية الانتماء إلى زمانها ومكانها.
إنه نهر الوجود الدفاق المتواصل الجريان إلى مصبات المطلق المتسع البعيد، وكل موجة فيه تساهم بقوة دفعه وانطلاقه في مجراه. وبما أن المولود يتفوق على الجيل الذي أنجبه بما يكتسبه من مدارك تمليها عليه إرادة الدوران الخصبة المتجددة، فإنه سيرى غير ما رآه الذين جاؤوا به من أرحامهم.
فلكل جيل نظرته وقدرته على التبصر والإدراك، وقد يتواصل أو يتقاطع مع الذين سبقوه، ووفقا لهذا التواكب الحتمي فإن التجديد تحصيل حاصل. التجديد في كل شيء يتصل بالحياة، فما كنا نعيشه قبل بضعة عقود غيره الذي نعيشه اليوم.
فكل جيل هو أجدد من جيل قبله ، والجديد يأتي بالجديد، ومن هنا فإن اعتبار التجديد ظاهرة تستدعي الجهاد والنضال والعمل الدؤوب وكأنها غير موجودة، سلوك تضليلي ومحاولة لدفع الأجيال إلى الانحراف والبهتان.
فالتجديد سلوك دائب وقائم في جميع مناحي الحياة والمجتمعات، فلماذا هذا التطرف في التفكير والنظر العتيق إلى ما هو كائن ودوّار ومتجدد رغم أنف المُغالين؟
فهل أنه توجه لإصابة الأمة بمقتل مبيد؟!!
31\1\2020
واقرأ أيضاً:
جثث الكلمات!! / مناخ وانشداخ!! / ورق بلا سطور!!