العرب والمسلمون طرحوا على أنفسهم ومنذ إنطلاق الثورة الصناعية في أوربا سؤالا مفاده لماذا تقدموا وتأخرنا، ووجدوا الجواب واضحا وصريحا، وهو أن الأوربيين قد اتخذوا من العلم والمنهج العلمي طريقا للحياة، وتحرروا من قبضة الباليات والحكم بالقهر وتعطيل العقل.
ووقفوا أمام الجواب متحيرين، بعضهم أيّد خيار العقل والمنهج العلمي، وأكثرهم مال إلى أن العلم بدعة سيئة وضد الدين، وقررت أنظمة الحكم آنذاك أن تتمسك بكراسي الحكم وتفضل السلطة على التقدم وحرية وقيمة الإنسان، فاتبعت العمائم الجاهلة، فخسرت كل شيء. فلو أن العلم ومناهجه كان خيارهم لكانوا اليوم من المتقدمين، لكن خيارهم الآخر هو الذي أودى بوجودهم أجمعين وأوصلهم إلى ما هم عليه اليوم.
وتكرر السؤال على مدى العقود بعد ذلك وتكرر الجواب، وبلغ التحدي ذروته في بداية القرن العشرين، وبرز الذين تنادوا نحو إنقاذ الأمة من دوامة التأخر والأخذ بها إلى آفاق العصر الجديد، وفي مقدمتهم محمد عبدة ورفاقه، لكنهم جوبهوا بمصدات معممة ومسيسة في ذات الوقت، وعندما تنامى تيار التقدم والإصلاح، انطلقت الأحزاب الدينية التي تمترست في الغابرات والتشريعات السلبية البالية، واندحرت في متواليات سفك الدماء والانتقام من الدين والحياة.
وقد تجسد ذلك في مصر في مطلع الربع الثاني من القرن العشرين، وتواصلت المحنة التصارعية التدميرية حتى اليوم، وفي الربع الأول من القرن الحادي والعشرين بلغت ذروتها واكتسحت المجتمع العربي وبلاد المسلمين، والغاية منها القضاء على وجودهم وتدمير دينهم.
ووفقا لهذه العاهة السلوكية والفكرية والإدراكية، تم أخذ العرب والمسلمين إلى مسارات أخرى غير نافعة لوجودهم كأمة، وراحت الدعوات تتنادى والمؤتمرات تقام للبحث في تجديد الخطاب الديني، وكأن سبب التأخر وما يجري للعرب والمسلمين هو الدين وحسب، وتحقق إسقاط الأسباب العديدة الأخرى التي لو تم إصلاحها لفقد السبب الديني قيمته ودوره وتأثيره.
ويبدو أن أنظمة الحكم قد وجدت ضالتها في هذه الدعوات، لكي تعلق فشلها وعدم أهليتها على أن السبب في الخطاب الديني الذي يحب أن يتجدد لكي نتقدم، وهذا بهتان مرير، لأن العلة الحقيقية في أنظمة الحكم التي عجزت عن احترام قيمة الإنسان وصيانة حقوقه المدونة في لائحة حقوق الإنسان.
فهل للإنسان قيمة في مجتمعاتنا كما هي قيمته في الدول المتقدمة؟
وهل أنظمة الحكم تهتم بتعليم المواطن وتوفير ما يلزمه من مفردات الحياة الحرة الكريمة؟
عندما تتحقق هذه وغيرها الكثير، يحق القول أن العلة في الخطاب الديني أو الدين الذي عليه أن يتجدد ويعاصر، أما بانتفاء أسباب العيش الكريم، يكون هذا الطرح نوع من الهذيان والهرب من مواجهة الواقع وعناصره الفاعلة فيه.
فتدبروا الأمر يا أولي الألباب!!
3\2\2020
واقرأ أيضاً:
مناخ وانشداخ!! / ورق بلا سطور!! / التجديد والتشديد!!