مجتمعاتنا رهينة التضليل والبهتان والخداع والتجهيل، وتعزيز سلوكيات التبعية والخنوع وتأكيد الإرادة القطيعية، وعدم الاعتراض والتحدي والإصرار على طريق غير الطريق الملقن والمكرر والمعطر بما يقدّسه من الأوصاف. وتلعب النخب بأنواعها دورها في تأمين ارتهان المجتمعات وأسرها وانقيادها لهذا وذاك من الأدعياء والمأجورين، ووكلاء الآخرين القائمين على ديمومتهم في المناصب وتسنم السلطات واتخاذ القرارات.
ومن الواضح أن المجتمعات مرهونة بالعمائم بألوانها ودرجاتها، وبالمذهبية والطائفية والعشائرية والقبلية، وغيرها من وسائل وأساليب الارتهان، وأول المرتهنين هم النخب التي تتحرك في المجتمع. وهذه النخب مهما بلغت من العلم وحصلت من الدرجات العلمية، فإنها مدجنة ومبرمجة ومرتهنة بحالة ما فاعلة في المجتمع فتقلدها وتسير وراءها بانفعالية عمياء، وما أن تقترب من ارتهانيتها حتى تثور بوجهك كأنها وحش هصور.
ويمكنكم أن تستحضروا أمثلة كثيرة عن ذوي الشهادات الذين لا فرق في سلوكهم الارتهاني عن أي إنسان بسيط في المجتمع، فالرهائن تتشابه وتأتي بذات السلوك المترجم لحالتها المستلبة. ومن يقرأ بعض الكتابات المنشورة في الصحف والمواقع يرى أنها مكتوبة بمداد الارتهان، وأن النخب الثقافية بأنواعها ومسمياتها قد تحولت إلى رهائن لهذا أو ذاك من أصحاب الكراسي والعمائم والألقاب الخارجة عن معايير البشرية. وما دامت النخب رهائن فإن المجتمع ستتضاعف قدرات ارتهانه، وسيزداد ضعفا وشللا وتراجعا وانحسارا وانكسارا وتآكلا وتداعيا.
وبما أن النخب الحرة الثائرة الجريئة المتنورة تنتفي في المجتمع، فإن القول بأن المجتمع سيتطور ويعاصر نوع من الهذيان والهذربة البائسة، لأن ارتهان النخب يعني إلغاء عقل المجتمع وتعطيل قدراته الإبداعية والتعبيرية عن جوهر ما فيه من العطاء. وعليه فإن النخب تتحمل مسؤولية كبيرة في تحرير المجتمع من الاستعباد، ومصادرة المصير من قبل ذوي العاهات النفسية والسلوكية الذين يتبرقعون بما هو ديني، ويقدمون أمثلة سيئة ويعفرون معاني الدين القويم في مستنقعات رغبات النفوس السيئة الفاعلة فيهم.
فهل ستتحرر النخب من أصفاد الارتهان؟!!
3\5\2017
واقرأ أيضاً:
وفرة المعارف وندرة العارف!! / المنطقة الرهينة!! / مَن عطّل عقلنا؟!!