الطغيان في اللغة: من طغى يطغى طغياً ويطغو طغياناً، أي جاوز القدر وارتفع وعلا في الكُفر.
وأطغاه المال: جعله طاغياً.
وطغى الماء: ارتفع وعلا على كل شيء فاخترقه.
وطغى السّيل: جاء بماءٍ كثير.
وطغى البحر: هاجت أمواجه.
والطغيان والطُّغوان لغة.
وعندما نُعرّف الطغيان بالمفردات النفسية والسلوكية فإنه يعني الفعل الظالم الناجم عن فقدان الأمان، فالطاغية يكون في موقف محكوم بخيارين، فإما المواجهة أو الفرار، وتتغلب فيه حالة المواجهة على الفرار لأن نتيجة الفرار قاسية وصعبة وخالية من الحوافز والمسوغات ولا تحقق الرغبات، فالمواجهة رغم صعوباتها ذات مُحفّزات ومُعزّزات لا محدودة تدفع بالطاغية إلى الإمعان بسلوكه حتى النهاية وكأنه في سباق نحو الهاوية، وما يقوم به ويفكر به ويقرره يكون من أجل إطالة مسافة السباق وحسمه.
فالطاغية ليس غبياً أو جاهلاً بل يتمتع بقدر متميز من الذكاء الذي يسخره لمشروع إطالة مسافة سباقه وصراعه مع الآخرين الذين يمنحهم المواصفات والمُسمّيات التي تُبرّر محقهم والفتك الفظيع بهم.
ومنبع السلوك الطغياني فقدان الأمان الداخلي، ومعظم الطغاة هم الذين فقدوا هذا الشعور في طفولتهم وصار الشك والتوجُّس والخوف والظن بالسوء معيار سلوكهم، فإن كانوا في عائلة فإن سلوكهم الطُّغواني يتكشف، وإن كانوا في دائرة أو منصب حكومي أو سياسي فيكون تعبيرهم أوضح، وكلّما امتلك هذا الشخص قوة أكبر انطلقت آليّاته الدفاعية المُنبثقة من بركة عدم الشعور بالأمان المُتأسّنة في أعماقه، وتبدو حالة عدم الشعور بالأمان كالدُّملة المملوءة بالأقياح التي تريد الإنفجار وإطلاق ما فيها من الصديد.
بعض العلماء والباحثين يرى أن العلاقة قوية ما بين الشخصية السادية والطغيان البشري، وآخرين يحسبونه تعبيراً عن المشاعر الشريرة الدونية الغابية الكامنة، وغيرهم يرى أنه من إنتاج النرجسية الفاعلة في السلوك والتي تسبّبت فيها الطفولة المحرومة من الأمومة والشفقة وتقدير المشاعر والأحاسيس أو الطفولة المهملة والمنبوذة.
وفي واقع السلوك الطغياني، أنه استجابات لمُنبهات خارجية تدركها آليات الشك والخوف والحذر، وتمعن في رد فعلها العنيف عليها، حتى أن بعضهم يتملكه الشعور بأنه يعرف أعداءه من نظراتهم وملامح وجوههم، وفي هذا إمعان بالشك والبرانويا الوهمية التي تدفع إلى إجراءات تعسُّفية قاسية ومرعبة، ولهذا فإن الطغاة يفتكون بأقرب الناس إليهم ولا يوجد في عُرفهم وفاء أو صداقة وإنما كل الآخرين أعداء وأعداء، ويتحيّنون الفرصة للفتك بالطاغية، ولهذا فعليه أن يتغذّى بهم قبل أن يكون على مائدة عشائهم.
ومن رُؤى الطغيان وتفسيرات سلوكه، أن البشر إذا وُضِع في مجاميع تتنافس على مصادر قليلة فإن التفاعل فيما بينها سيكون فتاكاً ومُبرراً للفظائع والمجازر والجرائم المرعبة. وفي واقع ما يدور هو استحضار آليات الغاب وتأكيدها والعمل بموجبها للوصول إلى ذروة الوحشية والافتراس الشرس للآخرين، وما يقوم به الطغاة المعروفون من أفعال لا يمكن تصديقها إذا حسبناهم من البشر ولا بد من وضعهم في خانة أخرى ونتصور بأنهم يظهرون كالبشر.
إن سلوك الطغاة لا يمُت بصلة إلى آدميتهم أو بشريتهم وكأنهم مخلوقات أخرى بهيأة آدمية، فالتصرفات الوحشية الافتراسية التي يقوم بها الطغاة العتاة لا يمكن للخيال أن يتصورها ولا يتمكن عقل إنساني من استيعابها والتصديق بها، والتاريخ يزدحم بشواهدهم المروعة.
"ونذرهم في طغيانهم يعمهون"!!
7\1\2013
واقرأ أيضاً:
مصير النفط / التفاؤلية وإرادة الحياة / الدول الأبيّة والدول السَبيّة / سلوك العمامة والنفس اللوّامة