المجتمعات للكراسي ما لها وما عليها، وللكراسي مَن عليها ومَن يحوم حولها، وللكراسي وحوش تتوسدها، وثعالب وأرانب وكلاب تتفيأ بظلالها وتأكل من فتاتها، والكراسي رمز القوة، ولكل قوةِ دوائر تدور وهي مركزها. وبين الكراسي وما حولها مسافات طويلة وقصيرة، لكن الكراسي تهجع في رُكام العُواء والضجيج الصادر من الموجودات المُنجذبة إليها والتي يكون مصيرها مقروناً بوجود الكراسي وما تستحوذ عليه ويتساقط منها لعدم قدرتها على حمله وهضمه.
وللكراسي كلاب تحميها، وهذا ديدنها وسنة المآسي في مجتمعات تدوس القانون ولا علم لها بدستور وكل ما فيها يمضي على سكة العدوان والثبور.
والعاويات حول الكراسي أنواع وأهواء ومُصابة بداء الانكلاب والاستذئاب، فلا قدرة عندها سوى العضّ، وهو سلوكٌ إنعكاسيٌ متحفزٌ لا يُجيد غير النّهش والالتهام، ولا يعنيه في الأمر إلا القضم.
ومن مميزات سلوك الكراسي أنها تُشعر بالأمان بكثرة المحاوطين لها والمرتزقين منها لأنها تُشعر أصحابها بالأهمية والقوة والسطوة والقدرة على بسط القوة وتأمين الطاعة والخنوع. فالعاويات حول الكراسي تهتم بمصالحها وشهواتها وشراهاتها فتأخذ سيّدها إلى حيث تريد وتوهمه بما ليس فيه وتسرق منه كل شيء حتى منصبه الذي هو فيه بعد أن تنتهي صلاحيته ويعطي ما يتمكن من العطاء السخي الغبي.
والحقيقة المريرة التي نتجاهلها هي أن البشر يضع في الكراسي ما يُوائم أمّارة السوء الفاعلة فيه ويُحقّق بهم ما فيه، لكنه يُبدي سلوكاً مغايراً لطبيعته المُتعارضة مع ما يؤمن به ويعتقده فيجد في الكرسي وسيلة للتعبير عن إرادته المنحرفة وكأنه قد تحرّر من المسؤولية والإثم، لأن المسؤول عمّا يحصل هو الذي يجلس في الكرسي وحسب.
أي أن البشر يميلون إلى التّبعية المنافقة اللازمة لتسويغ ما لا يتفق وما يؤمن به فيكون السوء فعلاً سائداً ومتكرراً ومبرراً بالذي في الكرسي، وعندما تتحقق الإرادة البشرية السيئة بواسطة سيد الكرسي فإنها تنقلب عليه وتفتك به للتخلص من عذابات ما فيها من المشاعر والأحاسيس التي تتقاطع وما تريد أن تتظاهر به. ولهذا يتعمّمُون ويفسدون ويرتكبون الخطايا والآثام، والمسؤول هو المُعمُّم الذي يقلدونه وأنهم مأمورون ولا يمتلكون حرية الخيار، وبهذا يخدعون أنفسهم وما هم إلا مجرمون وفاسدون وظالمون.
وتلك نوازع الكراسي ومرام العاويات حول كل رمز وصوت وصنم..
واقرأ أيضاً:
الطُغْوانيّة / أمة كان.. زوبعة في فنجان / شيخٌ ورئيسٌ وكلامٌ / المصطلحات والإنجازات