فشل العرب منذ تأسيس دولهم في إقامة نظام حكم حضاري معاصر يستند على دستور قويم يُراعي حقوق الإنسان وقيمته ويُعلي شأنه ودوره ويعتمد القوانين التي لا يمكن لأحد أن يكون فوقها، وإنما الجميع سواسية أمامها. وهذا الفشل هو السبب الجوهري وراء ما أصابهم من تداعيات وانهيارات وانتكاسات وبُرُوز التطرُّف والعنف والصراعات المأساوية القاسية التي عصفت وتعصف بالأجيال.
ويبدو أن اللعبة السياسية تقتضي استحضار الآليات الدفاعية ذات الإسقاطات والتبريرات الخادعة، فبدلاً من الاعتراف بالفشل والعمل الوطني الإنساني العلمي المثابر الجاد على تعديل المسار وإطلاق قدرات العقول في ميادين البناء والابتكار والجد والاجتهاد الحضاري المعاصر، يتم القول بأن السبب في الدين والتراث والتاريخ، وأنه لابد من التجديد والتغيير لكي نعيش بأمن وسلام، وأنظمة الحكم عندنا أفسد وأقسى أنظمة حكم في الدنيا قاطبة.
أنظمة حكم تنفي قيمة الإنسان وتحسبه رقماً أو شيئاً أو دُميةً أو ما شابه ذلك، وتكون مستعدة ومُتأهبّة لرميه في أتون الصراعات والحروب العبثية وإلهائه بالحرمان من أبسط الحاجات التي يتمتع بها البشر في دول الدنيا الأخرى حتى صار المواطن يحلم بهجرة بلده لأنه فشل في توفير أسباب الحياة الحرة الكريمة له ولعائلته.
فمشكلة العرب الجوهرية في أنظمة الحكم وليس في غير ذلك، وأي ادّعاء آخر يُراد منه التعمية والتشويش وصرف الأنظار عن السبب الحقيقي الفاعل في المجتمعات العربية منذ نهاية الحرب العالمية الأولى.
فهل استطاعت أنظمة الحكم العربية أن تنتقل بالواقع العربي إلى مصاف العصر، وأن ترفع عن المواطن مشقة العيش وضنك المعاناة اليومية القاهرة لوجوده والمحطمة لتطلعاته وأحلامه؟
فعندما تصيبه بالنكد والانكسار والبؤس واليأس يلجأ إلى ما يراه منقذاً له كالغريق الذي يريد التشبُّث بما ينقذه من الغرق فيميل نحو حالات وكينونات نسميها متظرفة ويتخذ من الدين ملاذاً للتخفيف من أجيج معاناته وقساوة أيامه فيحصل الذي يحصل، وتبدأ أنظمة الحكم الفاشلة بمواجهة النتيجة وتغض النظر عن السبب، بل وترى في مواجهة النتيجة وسيلة مهمة لتواصلها في دوامة الحكم الفاشلة القاصرة والغير مستوعبة لتطلعات المواطنين.
فهل من أنظمة حكم وطنية إنسانية؟!!
1\2\2020
واقرأ أيضاً:
المصطلحات والإنجازات / عواءٌ حول الكراسي / السلبية الطاغية والإيجابية اللاغية