القول بأن العالم متقدم ومتطور يدحضه وباء كورونا الذي ما عهدت البشرية كمثله عبر أجيال وأجيال، ففي الوقت الذي تتقارب فيه الأجناس وتتحول الأرض إلى مدينة صغيرة يعرف سكانها، وعلى الفور ما يحصل في أرجائها، تباغتت البشرية وبقوة أن عليها أن تنعزل ويبتعد الأشخاص عن بعضهم لكي يحموا أنفسهم من صولة الفايروس الشديدة القاتلة.
ويمكن القول أنها فضيحة البشرية قاطبة، لأنها أمعنت المسير باتجاهات مادية متفاقمة، توهمت بأنها هي القوة والقدرة والحياة وتغافلت عن العدو اللامرئي المتعارف عليه والذي داهمها على مدى القرون الخاليات.
البشرية منشغلة بالعدوان على بعضها، وإذ بالوباء الكوروني يصول عليها ويشلها بالكامل وهي في دهشتها وذهولها وعدم قدرتها على الفهم والاستيعاب.
الوباء يذكرني بمشهد كانت فيه القردة تتصارع، وهناك قرد عنيد يتأسد عليها ويزمجر ويضرب مَن يشاء ويبدو أنه المهيمن على القطيع، وعلى شجرة قريبة كان فهد يرقب المشهد، وببغتة قفز من الشجرة وخمط القرد المتأسد من رأسه وقبض على عنقه بأنيابه وأخذه إلى أعلى الشجرة وبدأ بأكل ما يستطيع منه، والقرود في ذهولها واجمة وقد تفرقت وارتعبت وسادها الهلع والخوف، وهي لا تعرف ما جرى وكلٌ منها صار يفكر بنفسه وكيف يحميها من الموت الذي باغت أقواها!!
هذه الصورة مشابهة لما أصاب البشرية عندما داهمها الكورونا وهي في ذروة نواياها العدوانية وتصارعاتها الجانحة نحو مزيد من الخراب والدمار وسفك الدماء. فالعدوان يُعمي الأبصار ويحدد الرؤية ويضعها في نفقية ضيقة لا تسمح لها بوعي محيطها والأخطار الفاعلة فيه والمتأهبة للانطلاق والاستهداف والتمكن من حياة البشر، وبما أن البشرية تتحكم بسلوكها العدوانية فإنها ستبقى قاصرة عن تحديد عدوها الحقيقي، وستنحرف بتفاعلاتها نحو أعداء تختلقهم أو تتوهمهم فتهدر طاقاتها وقدراتها حتى يأتيها الوعيد وقد تحوّلت إلى هيكل من غضب.
وعليه فإن طاقات التقدم يجعلها العدوان آلات تأخر وخراب، ويزعزع أركان عروشها ومقاماتها الفارهة، وهذا ما يحصل على مر العصور والأزمان، فالقوى تصعد وتهبط، والقدرات تنمو وتخبو، وغائلات الدهور متنوعة ومتعددة وهي محكومة بقوانين لا خلاص منها، وعليها جميعها أن تدرك أن عامل الزمن لوحده هو الفارق فقد يطول أو يقصر حبل الاقتدار لكنها جميعا في متوالية انهيارية دوّارة خلاصتها:
"ما طار طير وارتفع، إلا كما طار وقع"!!
فهل لديكم مَن ارتفع وما وقع؟!!
واقرأ أيضاً:
لماذا تكثُر الأخطاء اللغوية؟ / الكورونا يكشف عوراتنا !! / حرب على حرب!! كورونا