الأصولية واحدة محلياً وإقليمياً وكوكبياً، ولا فرق بينها في الديانات والمعتقدات، وتمتاز بالتعصب والإيمان بامتلاك الحقيقة المطلقة، وقداسة فكرتها ومبادئها، وبسهولة تكفير الآخر الذي لا يتفق معها. فهناك أصوليات في الإسلام والمسيحية واليهودية والبوذية والهندوسية والديانات الأخرى التي ينتمي إليها البشر.
وكلٌّ منها يعتبر نفسه صاحب الحقيقة المطلقة وغيره لا، ودينه الدين الأصلح والأصدق وغيره لا، فالأديان كلٌّ منها لا يعترف إلا بنفسه ويُنكر وجود الدين الآخر، ومن الصعب أن تجد مَن يرى أن الدين الآخر يمكن تسميته دين، وإنما انحرافٌ وخروجٌ عن أسس وضوابط ما يؤمن به ويعتقده. فالأصوليون يكفرّون بعضهم البعض، بمعنى نُكران وجودهم وعدم الأخذ برأيهم والنظر في دينهم. وكلُّ أصوليٌّ يخترع تعميماً وحكماً مسبقاً على الدين الآخر الذي هو أيضاً يخترع رأياً مسبقاً ضده.
فالمجتمع البشري في حقيقته عبارة عن كينونات أصولية منتشرة في أرجائه، يكفّر بعضها الآخر ويسعى للانقضاض عليه. وقد توهمت البشرية أنها استطاعت ابتكارالتّحمل والتعايش ما بين الأصوليات، وبرغم أنظمتها الصارمة تجدها أمام تحدّيات شرسة من قبل الأصوليات، وذلك لأنها وظّفت التقدم التكنولوجي والعلمي لتمرير أفكارها وتعزيز منطلقاتها والعمل على التعبير عنها في الواقع البشري بالقوة وبتسخير وسائل الإعلام والأقلام لتسويقها وترسيخها في الأذهان والنفوس.
ومنبع الأصوليات واحدٌ يتوطن النفس البشرية ويتسيّد على أعماقها في أغلب الأحيان، فالأصولية في حقيقتها تعبيرعن مطمورات النفس الأمارة بالسوء وما حولها وما يتصل بها من رغبات ونوازع ودوافع، وهذه النفس العنيفة الشرسة المتوحشة ذات الطاقات الهائلة يمكنها أن تمتطي الدين لتأكيد دورها وتحقيق نوازعها الضاغطة والفاعلة في رسم مسيرة البشر، ولهذا فإن الأصوليات لا تختلف عن بعضها لأن المنبع واحد وفاعلٌ فيها.
وفي الدين الواحد قد تتحذ الأصولية توصيفات متعددة ومتوالدة، لكنها في حقيقتها هي أصولية واحدة راسخة وتُعبّر عن جوهرها بآليات متنوعة ومتعددة، وقد تتحارب الأصوليات وتتناحر لشدة تطابق منطلقاتها ومحتواها، وهي المتميزة بالأنانية والغرور وحب السيطرة والتحكم بمصير الآخرين والتوهم بأنها تمثل سلطة ربّها وإرادات القدرات الغيبية الفاعلة في فضاءات خيالها التي تعيشها كأوهام لذيذة تأخذها إلى إنجازات وأفعال لا تخطر على بال الذين يمشون فوق التراب.
وتكون الحركات الأصولية محكومة بفتاوى متطرفة لرموز تتبعهم وتعبدهم وتقدسهم وتنفذ رؤاهم باندفاعية مُطلقة، وفي هذا تكمن خطورة الأصوليات وربما هيمنتها وتدميرها للواقع البشري خصوصاً وأن التطور العلمي والتقني قد وفر لها ما يُمكّنها أن تقضي به على البشرية.
فهل للأصوليات دينٌ يجمعها؟!!
* الأصولية لها تعريفات متنوعة، والمقصود بها في هذه المقالة هو ما جاء في مقدمتها.
2\2\2019
واقرأ أيضاً:
الكتابة بمداد الحياة / الأمة المؤرهبة / الأسلوبية الجامدة