العرب يستوردون سبعين بالمئة من طعامهم ولا يستطيعون إنتاج ما يأكلون، بينما الدول الأكثر إنتاجاً للطعام هي الصين والهند وأمريكا، أي أن الصين ربما ستطعم العرب!!
فالعرب يعيشون في دوامة النفط مقابل الطعام وربما الماء والهواء في المستقبل القريب. النفط الذي أفقدهم إرادة الحياة وحوّلهم إلى موجودات عاطلة عاجزة عن توفير ما تحتاجه من الطعام، فبعد أن كانوا أبناء صحارى يتحدون ويكابدون ويبتكرون وسائل بقائهم وقوتهم وعزتهم، خارت قواهم وأصبحوا من القاعدين المعتمدين في حياتهم على الآخرين.
كانت الدول العربية قبل عصر النفط وحتى ستينيات القرن العشرين مكتفية ذاتياً ومتكاملة اقتصادياً، وتجد في كل دولة عربية محاصيل زراعية ومنتجات غذائية من دولة عربية أخرى، ففي الستينيات كان التفاح اللبناني يملأ الأسواق العراقية وكذلك منتوجات دول عربية أخرى، وكان التمر العراقي يتصدر البضائع التي تصل إلى الدول العربية وكذلك الحنطة والرز وغيرها من المنتوجات الأخرى.
وما أن جاءت السبعينيات من القرن العشرين حتى أصبح العراق يستورد البصل والرز والطحين والدجاج ومنتوجات الألبان وغيرها من المواد الغذائية التي كانت تفيض عن حاجة الناس. وهذا الأمر ينطبق على الدول العربية الأخرى بعد أن تحقق الاستعمار الغذائي وتدمير الأرض والفلاح تحت شعارات وهذيانات الإصلاح الزراعي الذي جاءت به الثورات العربية والتي ما أوجدت ما هو صالح للأجيال والأوطان.
وتلخصَ الاستعمار الغذائي بأن القوى المستعمرة توفر الرز والطحين بأسعار زهيدة للمواطنين فيفقد الإنتاج المحلي قيمته الاقتصادية، وبمرور بضعة سنوات يتخلى الفلاح عن أرضه فتذهب قوتها الإنتاجية، وعندما يوقف المستعمر الغذائي ما كان يوفره بأسعار زهيدة تحصل المجاعة ويصبح الناس عبيداً لأفواههم وللذي يطعمهم ولو بأبهظ الأثمان.
وهذه الحالة حصلت في العراق وكذلك في مصر التي تم تدمير زراعة القطن فيها، وفي غيرها من الدول العربية التي ما تحسبت حكوماتها ولا وعت قواعد اللعبة فأخذت البلاد والعباد إلى ويلات القحط والعناء.
تذكر لي جدتي أن العراق صار تحت الحصار بعد ثورة رشيد عالي الكيلاني وتسمى " سنة التموين" وأنهم لم يشعروا بالحاجة سوى للشاي والسكر ومعظم الناس استغنت عنهما، أما باقي الطعام فكان الناس مكتفين، وكان للنخلة دور كبير وأساسي في مجابهة الحصار.
وتعلمون بعد الحصار الذي استمر لثلاثة عشر عاماً على العراق عاش الناس في ضنك عظيم وما وجدوا نخلة تسعفهم لأن النخيل قد تم إبادة بساتينه وقتله بالحرب ولأسباب أمنية، حيث حصلت أكبر إبادة للنخيل في تاريخ البشرية.
هذه صور وحالات للوصول إلى القول بأن المجتمعات التي لا تطعم نفسها وتعتمد على غيرها في مأكلها ومشربها لا يمكنها أن تكون قوية أو ذات سيادة ولو امتلكت أموال الدنيا بأسرها، فلن تغني أموال النفط عن العمل والزراعة والإنتاج والاعتماد على النفس في المأكل والمشرب، ومتى ما تمكنت الدول العربية من إطعام نفسها بنفسها فعند ذاك يمكنها أن تدّعي السيادة والقوة!!
24\5\2018
واقرأ أيضاً:
الدمار والخوار / التكافل الصناعي!! / عليكم بالنخيل فأنه يُعيل!!