الحضارة يصنعها العقل المتحرك ويدمرها العقل البارك الجامد المندحر في ظلمات الأجداث.
فهناك مجتمعات تتحكم بمصيرها الأموات، ولهذا فهي معزولة عن نهر الحياة، وتجدها كالصخرة الصماء التي تتعثر بها الأجيال.
وتحريك العقل يعني توظيفه واستعماله، فهو آلتنا المودوعة فينا والتي بموجبها علينا أن نرسم خارطة مسيرنا ومنطلقات رؤيتنا المستقبلية الهادفة للوصول إلى ميادين الحرية والكرامة والتفاعل الإنساني الرحيم.
وإعمال العقل في ما هو ذاتي وموضوعي وأكثر فريضة أساسية من فرائض البقاء والتطور والرقاء الكينوناتي بأنواعه، فبدون إعمال العقول تصاب الأمم والشعوب بالذبول، وتداهمها الأهوال والفلول.
وديننا يحثنا على تفعيل العقل بالتفكر والتدبر والتعقل والنظر الكوني الفسيح لكي نستحضر ما ينفعنا من الأفكار ولنزداد معرفة وعلما ودراية بأمور دنيانا وما بعدها.
والقول بإهمال العقل والتهاوي في أتون الغابرات والتغني بمنطلقات الأموات وعدم التساؤل والتمعن والتفحص والتقدير والتقييم يتسبب بانهيارات حضارية تلتهم أجيالا بعد أجيال، فالأموات لا يمكنهم أن يتحكموا بواقع حال الأحياء، فلكل أمة زمانها ومكانها وما عليها أن تقوم به وتحققه وفقاً لظروفها السائدة في عصرها، فلا يجوز التوهم بخلط أبعاد المكان والزمان.
إنّ الأمم القوية المعاصرة تمنح العقول قيمتها ودورها في التفاعل مع المستجدات، ولا تركن إلى حالات جامدة وأفكار مندثرة سحقتها رحى الدوران لأنها تدرك تماما أن التغيير سنة الحياة، فلن يبقى حال على حاله، وكل يوم لا يشابه الذي سبقه أو يليه، وتلك حكمة البقاء الأبدية وقوانين الوجود الكوني المُشيّد بإحكام.
وتحريك العقل وامتلاكه من ضرورات الديموقراطية الصحيحة، فلا ديموقراطية إذا بركت العقول أو تم مصادرتها وتحويل الأشخاص إلى أبواق أو كالصدى لعقل آخر يستعبدها ويمنع عنها نعمة التفكير وحرية الرأي ويرهنها بقميص السمع والطاعة وغيرها من أساليب الاستلاب العقلي السائدة في المجتمعات المفجوعة بنخبها الساعية نحو الفتات.
فهل لعقولنا أن تتحرك وترى بوضوح؟!!
واقرأ أيضاً:
التكافل الصناعي!! / عليكم بالنخيل فأنه يُعيل!! / الأمن الغذائي العربي والسيادة المفقودة!!