الدول الأوربية كانت تقضي على علمائها ومفكريها في العصور المظلمة التي تسيّدت فيها الكنائس وامتلكَ الصلاحيات الإلهية المطلقة البابا والمخولون عنه في المدن الأوربية، وكانت تواجههم بأبشع الوسائل الترهيبية التي تمنعهم من البوح عمّا لا يتفق ومنطلقات الكنيسة أو سيّدها.
فقتلُ الأعلام دليل على أن الشعوب تعيش في الظلام!!
وأوربا تحررت من تلك العصور وأطلقت الحرية للعقل وبه تطوّرت وارتقت وتقدمت وتفوقت على مختلف الأصعدة والمستويات، وفي مجتمعاتنا بدأت العصور المظلمة بعد أن غادرتها المجتمعات الغربية وتواصلت في ديارنا حتى اليوم ووصلت إلى ذروتها بالأحزاب المدّعية بدين، وعندما جلست العمائم على الكراسي صار لكل منها جماعات مسلحة تنفذ فتاوى المتاجرين بدين.
ومسيرتنا منذ منتصف القرن التاسع عشر وما قبله وإلى اليوم تزدحم بقهر الأعلام والمفكرين وتهجيرهم وتعذيبهم وتلويعهم وتدمير ما يمت بصلة إليهم، ولا نزال نقتل العقول المفكرة وفقاً لفتاوى وادّعاءات واتهامات باطلة، والأمثلة كثيرة ومتكررة في معظم الدول العربية فلا يوجد مُصلح أو مُفكر أو مُنوِّر إلا وأصابه الظلم والتشريد.
ويمكن قياس تأخر الأمم والشعوب بكيفية تعاملها مع المفكرين والمنوِّرين من أبنائها، فإن هي أعزتهم فإنها متقدمة ومعاصرة، وإن هي أذلتهم فإنها متأخرة مندحرة. والواقع العربي يشير إلى أن أنظمة الحكم لا تستطيع تحمّل مَن يقول كلمة لا تتماشى مع رؤاها وهواها، وما تحث عليه وتشجعه أن تنطلق العقول في تأكيد ما ينطق به قادتها واعتباره القانون والدستور والحقيقة المطلقة التي على جميع التصورات الأخرى أن تموت بسببها فهي الحق وغيرها الباطل المقيت.
إن معاداة الأعلام بأنواعهم يعني معاداة العقل، والأمم التي تعادي عقول أبنائها تعمل ضد ذاتها وموضوعها وتتهاوى في متاهات الضياع وتتخبط في مسيرها.
وعليه فإن من الضرورة الحضارية والبقائية أن تنتبه أنظمة الحكم إلى أن قوتها في إعمال عقول أبنائها وتعزيز قدراتهم ونشاطاتهم اللازمة لبناء مجتمع متصالح مع بيئته ومعطيات عصره.
فالعقول الفاعلة المتفاعلة قوة، والعاطلة ضعف وهوان.
واقرأ أيضاً:
الأمن الغذائي العربي والسيادة المفقودة!! / العقل بين التحريك والتبريك!! / العقل الفاعل والعاطل!!