الغول: كل ما أخذ الإنسان من حيث لا يدري فأهلكه.
العولمة سلوك بشري تطور إلى ذروته في العقود الأخيرة وبسرعة غير معهودة، ففكرة العولمة قديمة لكنها كانت تمضي ببطئ وبواسطة الحروب الشرسة التي حاولت عدة قوى عبر التاريخ الهيمنة على الأرض بأسرها وما أفلحت، لكن امبراطوريات التواصل الاجتماعي والمواصلات السريعة حققت العولمة وبسرعة خاطفة.
وعاشت المجتمعات البشرية مرحلة التمازج المعاصرة وباندفاعية تنافسية عارمة معززة بالنمو الاقتصادي والثراء والإنتاجية العالية للسلع بأنواعها، وتمكنت الصين من الهيمنة على أسواق الدنيا وتحويل معظم المجتمعات إلى مستهلكة لمنتجاتها فازداد عدد الأثرياء في الصين وصار سفرهم من أولويات نشاطاتهم، ولهذا أصبحوا يشكلون النسبة العظمى من السياح في دول العالم كافة.
وبتطور وسائل التواصل والاتصال والانتقال ما بين قارات الأرض بأوقات قياسية تمازجت المجتمعات واختلطت في معترك تفاعلي تزدحم مياهه وشوارعه وسماءه بالمسافرين.
وأصبحت قدرات الدنيا على احتواء أي وباء أضعف مما كانت عليه في أزمان ما قبل العولمة، ذلك أن الوباء كان ينتشر في بقاع صغير ويتم احتواؤها وعزلها حتى ينتهي ويغيب، أما اليوم فإن الوباء ما إن يبدأ حتى أوجد له حاضنات في أرجاء الدنيا، وهذا ما حصل مع الكورونا وسيحصل مع الأوبئة الأخرى القادمة التي تعني أن البشرية صارت في أضعف حالاتها على مقاومة أي وباء محتمل.
فالوباء سيكون غولاً يباغتها ويحصد عشرات ومئات الآلاف قبل أن تتوصل إلى لقاحات وعلاجات لردعه، بل إن الأوبئة ستتطور وتتعقد وفقاً لقدرات طفراتها الوراثية التي سينجم عنها أجيال من الفايروسات الغير معروفة من قبل.
وهذا يعني أن البشرية في محنة كبيرة ومتفاقمة تفرض من خلالها الأرض أو الطبيعة أو إرادة الدوران قوانينها على خلقها لتحافظ على ديمومتها.
ويبدو أن العولمة ربما لا تتوافق وقوانين البقاء، وقوة القوانين الحتمية المتحكمة بالمخلوقات الأرضية التي لا يمكن الانتصار عليها، فكلما زاد عدد أي مخلوق تسلطت عليه الأوبئة والآفات القاضية بالحد من أعداده.
وحَسِبَ أكثر المفكرين بأن الأرض ستفرض قانونها التوازني بإطلاق الحروب التي ستبيد الملايين تلو الملايين في غضون دقائق معدودات، لكن أكثرهم تباغت بأن الأرض أذكى مما نتصوره فهي تمتلك أسلحة ذات تدمير مطلق.
وعليه فإن العولمة تبدو وكأنها تتقاطع مع الإرادة الأرضية، وعلى البشرية أن تعيد النظر بآلياتها قبل أن يداهمها وباء آخر أشد خطورة من الكورونا.
فهل سنرعوي؟!!
واقرأ أيضاً:
يصنعون ما فينا!! / العَرَبُ وما يُعْرِبون!! / المفكرون لا يغيّرون فلماذا يفكّرون؟!!