الأمة علتها في نخبها الثقافية بأنواعها, وهذه العلة مستورثة وتسري في عروق الأجيال وتتواصل في تدميرها لوجود الأمة وجوهرها. فالنخب الذين كانوا يسمون الخواص على مر العصور هم الذين يحتكرون قوة الأمة وطاقاتها الحضارية, ويمعنون بخنقها وسكبها حول الكراسي وتحت أقدام السلاطين, ويحرمون الناس الذين يسمونهم (العوام) منها, ولهذا فشلوا في إرساء البنية التحتية للمعارف الحضارية التي كان عليها أن تنطلق وتتطور.
ويتميزون بأنانية فائقة ونرجسية عالية وبخل علمي شديد, فهم الذين يعرفون وغيرهم يجهلون, وعندهم ينتهي العلم وبموتهم ينتفي ويغيب, وما فكروا بتوريث علومهم وتطويرها وإعداد العقول الكفيلة بالتواصل معها واستيلادها أفكاراً ذات قيمة حضارية وإنسانية. أي أن النخب في الأمة كأنهم يعملون ضد الأمة ويقاتلون أجيالها ويطمحون إلى التحول إلى أوثان في واقعها الموجوع بهم.
وعلى الأمة أن تنتبه لهذه الظاهرة التي أوجدتها النخبة من أبنائها وعملوا على ترسيخها وتطويرها وتواصلها بين الأجيال, ولهذا تجدنا أمام نخب متنوعة ذات مواقف أنانية وتطلعات نرجسية مدمرة لذاتها وموضوعها, وفيها من السلوكيات السلبية ما يُخجل ويُهين. ويصعب على مَن ينتمي للنخبة أن يقدم نفسه بنكران ذات وتواضع وشعور بالرغبة في التفاعل مع الآخرين بتجرد وحسن نية, وربما لن تجدوا مَن لديه القدرة النفسية والسلوكية على التنازل عن عرشه السرابي وصومعته الخيالية, وينزل إلى نهر الحياة ويتفاعل مع الشارع العربي ويكون بمستوى المسؤولية الحضارية.
ولهذا فإن معظم نخب الأمة يشكلون خطراً كبيراً عليها, فبدلاً من أن يكونوا قوة إيجابية ذات قدرات تعزز وجودها وتمنحها طاقات التقدم والرقاء فإنهم يتحوّلون إلى قوة سلبية تهدر الطاقات وتضع المجتمعات في محن تصارعية واستنزافات قاسية تكلف الأجيال خسائر عظمى.
ولكي تكون الأمة عليها أن تتصدى لنخبها المصابة بأمراض سلوكية مروعة يأتي في مقدمتها التضخم المرعب للأنا, والنرجسية الفادحة, والتعالي والجبروت والتصورات السرابية الخالية من مفردات الواقع المعاش, والوعظية التي يتفنَّنُون فيها ويبررون خطايا الكراسي وآثامها, فهم الذين يدفعون بذوي السلطة والقرار إلى ما لا تحمد عقباه لأنانيتهم ولرغباتهم الاستحواذية الفادحة.
فهل للأمة أن تعرف مكامن وجيعها ومباعث انهياراتها؟!!
واقرأ أيضاً:
الوعائية!! / الانعقارية!! / ورقة التوت البشرية!!