واقعنا مَنخُورٌ من رأسه حتى قدميه، والناخر مسرورٌ، ولديه سلطةٌ وحضورٌ، فهو الذي يأمر ويجور، ومَن يعترض تتلقَّفُه القبور.
والعلاقة بين الناخر والمنخور ذات تقلُّبات مأساوية وتفاعلات دامية وتصارعات خسرانية فائقة التداعيات والويلات.
الناخر يتجبَّر ويتكبَّر، والمنخور ينضم إلى قوافل القطيع المُعدّ للجزر والدفع إلى سجيرات الحروب والكروب، وعليه أن يُسبَّح باسم جزّاره الرحيم.
هذه معادلةٌ فنائيةٌ تتواصل في مجتمعاتنا وتكررها الأجيال، وما استطاعت أن تتحرّر من قبضتها وتمسك بمصيرها وحريتها وقدرتها على صناعة الحياة.
ولتجارة الدين دورها الأقوى في تمريرها وتوفير العوامل المساعدة على إدامة قدرات النخر والتفسُّخ والتحول إلى هباءٍ منثورٍ.
ولهذا تجد المجتمعات عبارة عن كينونات ضعيفة مُتمَرِّسة في بهتانها وسقيم رؤاها، وهي في عملية طحن وإبادة ذاتية وموضوعية وكأنها مُنوَّمة أو مُخدَّرة وملقاة على طاولة التبضيع والتقصيب الذي يُعدّها لتكون ولائم دسمة للطامعين بها.
والعجيب في الأمر أن العلاقة بين الناخر والمنخور اعتمادية بحتة وذات طاقات إتلافية عالية يستلطفها الطرفان ويتلذّذان بنتائجها ومعطياتها الفجائعية.
ولن يُغَيِّر الناخر منهجه، ولن يستشعر المنخور بوجوده وقيمته بعد أن ترسخ فيه دور الضحية والمظلومية وتعلم أن واجبه ذرف الدموع والبكاء على الأجداث والإمعان بجلد الذات وتحقيرها وتحويلها إلى كينونة مُنكرة ذات نفس أمّارة بالسوء.
هذه الإشكالية لها دورها الخطير والكبير في صناعة الواقع المنهوك بالنكسات والمنكوب بالانكسارت وفقدان الأمل وانتفاء التفاؤل والرجاء.
فهل لنا أن نتبصَّر وننتصر على الناخر المُؤزَّرِ بالعدوان على وجودنا؟
واقرأ أيضاً:
طبقات الدنيا / أمة الأصول تاهت في الفصول \ الطائفية والعنصرية