أعاصير وزوابع التشاؤم تعصف في نهر الأجيال منذ أكثر من ستة عقود، وقد تمادت بذروتها وعواصفها الشديدة منذ مطلع القرن الحادي والعشرين.
فالأمة تجتر ما تسميه بتداعيات النكسة والهزيمة والانكسار، وتعيد تصنيعها واستثمارها لتحقيق مآرب الآخرين فيها.
وقد لعب الكتّاب والمثقفون والمفكرون والفلاسفة والمتاجرون بالدين والجالسون على الكراسي دورهم البارز في تعميق فقه التشاؤم والانحطاط.
ولا يزال دوي التشاؤم فاعلاً وأجراسه تُقرع طول الوقت لتحث الناس على البكاء وجلد الذات والإمعان بالتحطّم والإذعان والانهيار.
وتساهم النخب من أبناء الأمة في ترسيخ مفاهيمه وتأكيد سلوكياته والدفع باتجاه تجسيد مفرداته وترسيم خرائط العمل بموجب منطلقاته الموشحة بالدم والدموع والأحزان.
كما أن النفط بعائداته الهائلة قد وفَّر القاعدة المادية لتفعيل آليات التشاؤم وترسيخ مفاهيمه وبرمجة النفوس والرؤوس على إيقاعاته وغاياته.
فأموال النفط تُهدَر بشراء الأسلحة التي تقتل أبناء الأمة بالحروب والصراعات المتوالدة والمُصنَّعة في مختبرات المصالح والأهداف بأنواعها.
فأموال العرب والمسلمين من النفط تُستعمل لقتل العرب، فأشدّ أعداء العرب هم العرب، كما أن ألد أعداء الإسلام هم المسلمون، وبأموال النفط يتحقق الفتك ببعضهم البعض وفقاً لما يقرره فقهاء الكراسي والعدوان.
وهذه الآليات التنكيدية التقنيطية الإخمادية تصنع مستنقعات تتكاثر فيها آفات التشاؤم واليأس، فتستسلم الأجيال لإرادة مستعبديها وتستلطف آلام الحرمان والقهر والامتهان السافر لحقوقها الإنسانية.
والمطلوب من نخب الأمة الانتباه إلى ما فيهم من مؤهلات التشاؤم، لأن النسبة الأعظم مما تكتبه الأقلام تتسم باليأس والأنين والتفجع والتظلم، وتنعدم فيه روح الأمل والتوثُّب والتحدي وإذكاء الثقة بالنفس وبالقدرة على أن نكون.
فهل أن مجتمعات الدنيا التي عانت الويلات الجسام قد تفاعلت معها مثلما نحن نتفاعل؟
انظروا ألمانيا، اليابان، فيتنام، الكوريتان والصين فلن تجدوا بعد ويلاتهم غير خطابات التحدي والإصرار على الكينونة الأقوى.
فلماذا نستلطف إبداع التردي والانحدار، ولا نبصر الضوء الذي فينا؟!!
واقرأ أيضاً:
الدفق الحضاري \ ذو الوصمتين \ البشر والإنسان