السائد في وعي الكراسي العربية تجاه أمريكا أنهم يستخدمونها لتحقيق أهدافهم، وبعدها ينقلبون عليها... وهذا المفهوم سائد منذ بداية النصف الثاني من القرن العشرين، ويشمل بعض الدول المجاورة كإيران، وتجربة الشاه في هذا المضمار معروفة.
فكل تغيير لنظام الحكم في المنطقة لابد له من مباركة أمريكية، فيتعاون معها مَن يدّعون بأنهم أعداؤها، وحالما تَتَوطَّد سلطتهم ينطلقون في اتجاهات مُرَاوِغَة خلاصتها "أنهم يريدون إخراجها والتَّحرُّر من قبضتها"، ويتناسون أنها كأي دولة أخرى تُهِمَها مصالحها، واستغَلَّتهم لتمريرها، وقادرة على إزاحتهم في ليلة وضحاها عندما تجدهم يتقاطعون معها... فأمريكا لم تأتِ بهم من أجل عيونهم، وإنما من أجل مصالحها التي وفَّروا لها الفرصة اللازمة لتحقيقها، واستخدمتهم كَدُمَى لإنجازها.
هذا السلوك يتكرر، ولا يوجد مَن يتعظ... وقد حصل في دولنا مرارًا، فجِئَ بأنظمة لتأمين المصالح، وسقطت غيرها لتأمين المصالح أيضًا، فالذي يُحقِّق المصالح يتم نفخه كالبالون، وتسويقه، وتوفير وسائل الدعاية والتلميع والتهويل، وتقديمه على أنه بطل زمانه وقائد أمته... وفي اللحظة التي تنتهي مهمته يتم تفجيره وإذلاله، والأمثلة واضحة وقريبة وقد حصلت بوقت قصير.
واليوم تجدنا أمام ذات الحالة في بعض المجتمعات التي سُخِّرتْ أحزابها لتحقيق المصالح، ودُفِعَتْ باتجاهات تأمينها وتطويرها، وإذا بها تتظاهر بالمُعاداة والمقاومة، فإما أن في ذلك لعبة جديدة ومصالح غير منظورة، أو أن هذه الفئات والأحزاب قد انتهى دورها وعليها أن تَتَرجَّل ويأتي من يصون المصالح أفضل منها... فتلك هي المعادلة الفاعلة في المنطقة منذ عقود، وهي القانون الذي لا يمكن تجاوزه ونكرانه.
فهل أن المنطقة مُقبِلَة على وضع جديد؟!
واقرأ أيضاً:
أقلامٌ يائسة ورؤوس بائسة / الفكرة والفكرة / الهُرَائِيَّة