من التعمير، فمن الأرجح التحدث عن المعامرة، وليس المؤامرة، فالقوى أيا كان نوعها تخطط لتأمين مصالحها، ولا يعنيها مصالح غيرها مهما توهم ذلك الغير، فلا توجد دولة في العالم تسعى للحفاظ على مصالح غيرها، بل أن القانون السائد في العلاقات الدولية - منذ الأزل - أن الدول تستأثر بمصالحها، وعندما تجد فرصة لتأمينها وتطويرها ستغتنمها بقوة. أما إذا وجدت في الدولة الأخرى أعوانا لها، أحرص منها على مصالحها، فهذا يعني أنها امتلكت تلك الدولة بما فيها وما عليها.
ومن هنا فإن الخطاب الذي عليه أن يسود الوعي الجمعي، هو خطاب المعامرة أي أن نعمِّر بعضنا بعضا ونقوي بعضنا بعضا، وتقوي كل مدينة المدينة الأخرى، أي أن تتقوى الموجودات الوطنية ببعضها، لا أن تتعادى وتتماحق وتستنزف طاقاتها، وتبدد قدراتها لتأمين مصالح الطامعين فيها.
فالواقع السلوكي الحقيقي لا يتوافق مع الكثير من المصطلحات المستوردة الشائعة في المجتمع ومنها المؤامرة، الذي صار قميصا للانقضاض على مئات الناس الخبراء بصناعة الوجود الوطني الأقوى.
وبموجبه تم ربط الوطنية والإخلاص بالكرسي، أيا كان منهجه ومنطلق سلوكه وما يراه ويعتقده، فمفهوم المؤامرة يقتضي أن يكون الكرسي فوق الوطنية والمواطنين، وعندها يكون المفهوم مبررا للعدوان، والانقضاض المتوحش على الناس الذين لا يتوافقون وتصورات الكراسي.
وفي واقعنا المكلوم بالكراسي، اعتلى أعواد المشانق الآلاف من الذين تلصق بهم تهمة المؤامرة، وما هم إلا أصحاب رأي وتصور وطني آخر، بل أن سوح الإعدامات أكلت الآلاف من الأبرياء وفقا لمنطوق المؤامرة.
فهل تساءلت الكراسي عن التعمير، وهل وضعت قيمة الإنسان وحقوقه في أولويات مهامها، وهل أدركت أن التنمية الاقتصادية عماد الحياة البشرية.
أم أنها ستبقى تلوك المصطلحات الدخيلة، والمواطنون يضرسون، والبلاد تئن وهم ينهبون ويسلبون، وفي بنوك الآخرين يودعون
فتنبهوا واستفيقوا، فقد غاصت الرؤوس في الضلال والبهتان، وامْتُهِنَ الإنسان باسم الدين والكرسي المصان!!
واقرأ أيضاً:
هل ينفع التشخيص!! / الأمة تأكلها الفرص!! / الاستعمار رفيقنا!!