العقول تتحور بتفاعلها مع المحيط الذي تكون فيه، فالدماغ يمتلك قدرة لا محدودة من المرونة والمطاوعة وإعادة التشكيل، وحالما يتحوَّر يكون تفاعله مع الأفكار متوافقا وكيانه الجديد.
ويستقبل أفكارا غير التي كان يجتذبها من قبل، وعندها يكون سلوكه وفقا لنوع التحوير الذي أصابه.
فقد يتحور نحو الإيجابية أوالسلبية، فالعوامل العاطفية ودرجات القلق والانفعال، تساهم في صناعة الآلية اللازمة لتأمين التواصل والبقاء.
وتلعب وسائل الإعلام دورها في تحوير العقول، فتدفعها لتبني الرؤى المطلوبة والموقف المرغوب.
كما أن للرموز الدينية والسياسية والثقافية تأثيرها المباشر في صياغة العقول الجمعية والمحورة اللازمة لتنفيذ إرادتها، والتمازج في كينونة تستلطف الاستعباد والذل والهوان، وتتعبد في ميادين التبعية والاستلابية.
وما يحصل في واقع بعض المجتمعات أنها تتعرض لهجمات مدروسة، وغارات نفسية محسوبة بدقة، ومجربة في مختبرات استرقاق الأمم والشعوب، فتدعمها بالأحداث المقرونة بهزات عاطفية عنيفة، تزعزع ثوابتها القيمية والفكرية والأخلاقية والروحية، وتدفع بها إلى أتون التفاعلات الخسرانية الإمحاقية المناهضة لوجودها الوطني والإنساني.
ومعظم هذه الهجمات تتخذ من الدين مطية لتنفيذ مشاريعها وتدمير أهدافها، فالاستثمار في الدين من أهم العوامل اللازمة لصناعة الطاقة الذاتية لتدمير الهدف المنشود.
وتجدنا أمام ألاعيب متطورة، وجرعات من الرسائل الوبائية التي تصيب البشر بطاعون الكراهية والحقد والانتقام، والانهزام، فتدفع به إلى التناطح الشرس المؤجج للعواطف والمندفع نحو النهايات المأساوية القاسية.
وتم استعمال رموز الدين بدرجاتهم، وتأمين أوهامهم وتعزيزيها ورفدها بما يسخرها للتنازع الدامي والدمار الحامي.
فيتم تحويل الجماعات المؤهلة للاستعمال وإيهامها بما تتصور، فتغدق عليها المال والسلاح ووسائل الدعم الأخرى، فتنطلق في مشوارها العدواني على دينها ودنياها، كالمذهولة المخبولة الفائقة الاستهتار بالقيم والمعايير وتدّعي ما تدعيه.
ومن أخطر أدوات التحوير العقول وامتلاكها، هو الانطلاق بمفاهم مدروسة ذات تأثير وفعالية في الواقع النفسي والمعرفي عند البشر المستهدف، ومنها لعبة دولة الخلافة التي تحقق التواصل في تسخيرها لتحوير الأدمغة منذ نهاية الحرب العالمية الأولى ولا يوجد توصيف لها، لكنها صارت حلما خياليا يتوهم الوصول إليه من فيهم عاهات نفسية وأمراض عقلية، فيعيشون في وهم الخلافة المتصورة، وهم لا يستطيعون إطعام أنفسهم، وبناء مدنهم وقراهم، وتوفير المدارس اللائقة بأطفالهم، والرعاية الصحية اللازمة للحفاظ على قوة أبدانهم، وعافية نفوسهم.
فهل نستوعب العدوان ونتحرر من الخبل والهذيان.
وننطلق بإرادتنا السمحاء إلى ميادين ذات قيمة موضوعية وقدرة إنجازية بعيدا عن سرابات الأوهام؟!!
واقرأ أيضاً:
هل توجد ثورة سلمية؟!! / عناصر الجدول الدوري ومحنتنا!!