المجتمعات تعيش أبعاد الزمن الثلاثة، ومعظمها تتفاعل مع بعدين أساسيين، هما الحاضر والمستقبل، وبعض المجتمعات المنكوبة تنكرهما وتغطس في الماضي البعيد وترتهن به، فتلغي الحاضر والمستقبل، وتتوهم أن الأموات أحياء!!
وتلعب الأدينة بتجارها ومسوقيها الدور الأكبر بدفن الأجيال في أوحال "مضى وما انقضى"، وتلك لعبة ذات ربحية عالية، واستعبادية مروعة، وفيها تفاعلات ترضي نوازع النفس الأمارة بالسوء، المقنعة بالدين، والساعية للاغتنام والاستحواذ على كل شيء، واعتباره من ربها الذي خصها بالرزق بغير حساب.
فالتركيز على الماضيات يهدف لتعطيل العقول، وتدمير الوجود الوطني والإنساني في أي مجتمع، ويوفر الفرص اللازمة لتأمين مصالح الطامعين بالبلاد.
وهو وسيلة إلهائية وتنويمية للأجيال، التي يتكرر على مسامعها قول مضمخ بالمشاعر السلبية، الداعية للقضاء على الذات والهوية.
والأدهى في بعض المجتمعات، العمل على خنق الأجيال الوافدة ومنذ الصغر في تراب الغابرات، وتأهيلهم لامتلاك العواطف السيئة المتوافقة مع ما يُحشى في رؤوسهم من أسباب الويلات، وهذه جريمة نكراء بحق البشر المرهون بالمأساويات.
وبإلقاء نظرة فاحصة على ما يُنشر في المواقع ووسائل الإعلام بأنواعها، سيتبين أن الموضوعات الماضوية سائدة، ورغم اندثارها المادي والعملي، هناك مَن يريدها أن تكون حية وفاعلة في وعي الأجيال، لكي يجني بها الثروات والقدرات التي توهمه بأنه من الأصفياء.
والمشكلة الأكبر أن أصحاب الأقلام انساقوا وراء هذا السلوك، لأنهم إن كتبوا خارج التوجهات المطلوب تسويقها وترويجها، فسيوضعون في زوايا الإهمال والانحسار، وستناوؤهم أبواق الأدعياء وتكيل لهم ما ليس فيهم من الخصال وتتهمهم بالوبال.
والمؤلم حقا أن العديد من المنابر الإعلامية تحولت إلى أدوات رخيصة لتمرير لعبة سيادة الغابرات، ونكران الحاضر وقتل المستقبل بالضلال والبهتان، والغفلة والتبعية والخنوع المهين والقنوط المشين.
فهل من قدرة على وعي أبعاد الزمن وإنجاب الأصيل؟!!
واقرأ أيضاً:
العلم والكرسي!! / تحت أقدام الحياة!!