الأمة يحكمها الغائبون، ويقودها الأموات، بعكس الأمم الأخرى التي تتفاعل مع قادتها وتبني حاضرها وتسعى لمستقبلها الأفضل.
قادتنا في معظم دول الأمة نعاديهم وننكرهم ولا نرضى بما يقومون به وندفعهم للاحتراز منّا، وتوفير الحمايات واتخاذ القرارات اللازمة لتأمين بقائهم في الحكم، وأكثرهم يتحول إلى سارق لأموال البلاد والعباد، ويذخرها في بلاد الآخرين التي تصادرها بعد حين.
فأساليب الحكم في ديارنا ليست دستورية وإنما غابية، والكرسي الذي لا يثرى على حساب الشعب لا قيمة له ولا معنى، فيكون الجالس عليه حرامي من الدرجة الأولى، وبما يسرقه يتقوى على الآخرين من حوله.
وفي هذه الثنائية التناوئية، تبرز سلطة الأموات فتجد الشعب مع مَن في القبور، ويعبر عن رؤاهم وتصوراتهم التي ما كانت تتوافق حتى مع زمانهم.
والعديد من نخب الأمة يبعثون الأموات من قبورهم، ويرفعون رايات تصوراتهم ويحسبونها ستنفع الأمة في القرن الحادي والعشرين، وهذا السلوك يتنافى والمنطق ويتعارض مع بديهيات الدوران، وإرادة الأكوان، فلكل زمان ومكان أدواته وتحولاته، ولا يجوز الاندخار في الماضيات مهما بلغت من الشأن، فالواجب المنطقي أن يتحقق التفاعل الواعي الجاد المجتهد مع عناصر المكان والزمان.
فالذين تفاعلوا مع الواقع العربي في القرن التاسع عشر، لو عاشوا في القرن الحادي والعشرين، لما كتبوا ما كتبوه، أما الذين تفاعلوا قبل عدة قرون، فأنهم بالتأكيد سيكونون أصحاب اقترابات مختلفة، ولا تقل لو كان الفقر رجلا لقتلته، فهذا تعبير عن العجز وضعف الحيلة وعقم الإدارة وغياب العدل في الوقت الحاضر، بل أن تفكر وتبتكر وسائل التحرر من العوز والفقر، وتجاهد لسن قوانين توزيع الثروات بأسلوب إنساني كما في العديد من المجتمعات.
ولا تقل بالطائفية والإثنية وغيرها من المسميات الخائبة، وأمامك أمة الهند أذابت فروقاتها في وعاء الوطن الهندي والمواطنة الهندية، وقس على ذلك العديد من مجتمعات الدول المعاصرة.
فهل لنا أن نرى ونتبصر لنكون؟!!
اقرأ أيضاً:
أنا الكرسي والكرسي أنا!! / أعداء العروبة الأشاوس!!