ما كتبناه ونكتبه يأخذنا بعيدا عن جوهر المأساة ولب المعاناة والمقاساة اليومية للإنسان، ويحوّل كتاباتنا إلى أبواق دعائية للكراسي، ويعتّم على التفاعلات السلبية المناهضة للوجود الصحيح للإنسان والوطن والحياة.
وما نكتبه لا يكتبه الكاتب في الدول المتقدمة، ولا يقترب منه مثلما نقترب.
ما نكتبه يُظهر آليات تفكيرنا، ونفوسنا المضطربة ورؤيتنا المشوشة.
وبما نكتبه نساهم بتعزيز السلوك القائم، وتوفير دواعي استمراره، والحفاظ على إنجازاته الضارة والمدمرة.
فهل غيّرت كتاباتنا واقع الحال والمآل؟
بما نكتبه ربما نشارك في برامج التضليل وغسل الأدمغة، وإشاعة ثقافة البهتان وزعزعة الحقيقة وتمرير الأكاذيب، ومؤازرة الذين يسرقون وينهبون ويعبثون بالبلاد والعباد.
وأصبحت نسبة كبيرة من الكتابات تخطها أقلام الكراسي، بأساليب وتوجهات تخدم تكريس الحالة القائمة، ومنهاضة التغيير المعاصر للحياة.
ومعظم الكتابات، احتفاليات أحزان وآلام واندفاع نحو استلطاف الأوجاع والقهر والذل والهوان والحرمان، وربطها بالديمقراطية والقيم والمعايير الإنسانية النبيلة السامية، وفي ذلك إجهاز على الحقيقة وإطفاء للنور المعرفي ومنع للوعي الصادق الأصيل.
وقد كتب الكتاب عشرات الآلاف من الصفحات عن الذي مضى وما انقضى، وتراهم مصفدين في لحظة زمنية، وحالة يرفضون أمامها أبسط بديهيات الوجود وقوانين الزمن ومعاني ومعايير الحياة، حتى تحولت الكتابات إلى موضوعات غثيثة، لا تأتي بجديد ونافع ومتواكب مع الحاضر والمستقبل.
نصوص ومقالات وغيرها، تدور في ذات النقطة وتغرف من ذات البئر، وكأن الأجيال تدور في ناعور المراوحة، وإعادة تصنيع المآسي والأحزان والويلات، التي تحولت إلى طقوس ترى الحياة بمنظارها الأسود.
ما نكتبه لن يبني حالة ذات قيمة حضارية وثقافية مؤثرة في صناعة الأجيال والمستقبل، إلا فيما قل جدا وندر تماما، حتى فقدت الكلمة قيمتها ودورها وتأثيرها في الواقع الاجتماعي والسياسي، وما عادت تهم أو تعني أحدا، وأصبحت المواقع والصحف منافذ للترويح النفسي ، وانسكاب الانفعالات والعواطف والتصورات.
فالسائد الكتابة عن الأشخاص لتنمية شهرتهم وتعزيز وجودهم في وعي الناس، ولن تؤثر الكتابات ضدهم، فلكل كرسي طابور أقلام منتفعة، تسعى لتسفيه ومواجهة ما يُكتب حوله، وبهذا يتحقق الدعم الإعلامي في الوعي العام.
إن الأقلام مطالبة بثورة حقيقة على مستوى العقل والنفس، ومراجعة رؤاها وتصوراتها وآليات أقلامها، وأن تفكر بالمصلحة الوطنية أولا وأخيرا، بعيدا عن النرجسية، وتفخيم الذات، والإمعان في وهم المعرفة وامتلاك الحقيقة المطلقة.
فالكاتب لم يقدم مثلا ديمقراطيا يُحتذى به، وعبّر عن المأساة السلوكية، ولهذا فسلوك الكراسي قد تأسن، وما تبدل أو امتلك رؤية ذات قيمة وطنية وحضارية.
ولذلك فالثورة الحقيقية المطلوبة، هي ثورة ثقافية.
ثورة القلم والعقل والنفس والروح.
وبدون هذه الثورة التي على الكتّاب أن يقوموا بها، لن تتحقق مصالح الإنسان، وسيضيع الوطن، وسيكون الكاتب أو المثقف، قد أسهم بفاعلية واضحة في التفتت والانحدار، والضياع الحضاري والأخلاقي والتاريخي المروّع!!
"ثورة الأقلام صارت مطلبا لانطلاقٍ نحو آتٍ واعدٍ"
اقرأ أيضاً:
قيمة الإنسان ونظام الحكم!! / ما يتحرك كله يتحرك بعضه!!