العلاقة بين البشر والكتاب الورقي يدأت بالانكماش، فما عادت المكتبات الشخصية ذات قدرة على النماء مثلما كانت في القرن العشرين، وتجد معظم الذين تشدهم علاقة متينة مع الكتاب، ما عادوا يشترونه، لأنهم صاروا يضيقون ذرعا من الكتب.
أهديتُ مجموعة من الكتب العلمية لزميل مهتم بالعلم، ووجدتها على ذات المنضدة منذ أن أهديتها إليه قبل أسابيع، وعندما سألته عن السبب أجاب بأنها بحاجة لمكان!!
والحقيقة أن الكتاب فقد دوره في تنمية المعارف، لأن الشاشة الصغيرة صارت تغني عن ألف كتاب وكتاب. ومعظمنا يحمل في جيبه هاتفا نقالا وبه يستطيع أن يقرأ ما يريد، فالشاشة انتصرت على الورق، وبعد أن كانت العديد من الدول تمشي على الورق صارت مستعبدة بالشاشة ومرهونة بإرادتها، وبعد دخول الذكاء الاصطناعي تحولنا إلى حالات لا يعُرف تعريفها بعد اليوم.
معظم الذين أعرفهم من هواة قراءة الكتب أو المدمنين على القراءة، صاروا يلتصقون بالشاشة ويقرأون ما يظهر عليها، كما أن الكتب المسموعة بسطت هيمنتها على القراء، فالأذن تقرأ، والعين تقرأ، ودفق المعلومات المتوارد إلى الأدمغة كالفيضان الهادر، فأصبحت تحت ضغط الأمواج المعرفية التي تمحق بعضها.
معارض الكتب المتواصلة لا تؤكد إقبالا كبيرا على شراء الكتب، وأكثرها صارت نزيلة الرفوف وتفترش أرصفة الطرقات، ولا مَن يقرأ أو يشتري، وإن كثر الزحام في محافلها فللتفاعل الاجتماعي وللتفرج وحسب.
وبموجب وسائل التواصل الاجتماعي زادت نسبة القراءة في المجتمعات، لغزارة ما يتوافد من المعلومات والرسائل عبر شبكات الإنترنت، غير أن العلاقة بين البشر والكتاب ضعفت، وما تبقى من أجيال القرن العشرين هم الذين لا يزالون يتفاعلون مع الكتاب، وبغيابهم، ربما لن تجد للكتاب الورقي قيمة ودور، وسينتصر عليه الكتاب الإليكتروني، أو الرقمي المكتوب بتكثيف واختصار شديد، وربما سيتلاشى عصر الإبداع الأدبي، لأن الصورة صارت تقدم لنا موضوعات يعجز عن تدبرها الخيال، فالواقع المعاش أغرب من أي خيال!!
اقرأ أيضاً:
داء الكرسي الفاعل فينا!! / زعزعة الثوابت!!