"وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ" آل عمران ١٤٧
ليس هناك ما يثير النقاش والتوتر بين المراجع وطبيبه مثل حديث الوزن ودور الهرمونات والطعام. يصر المراجع على تغييره لنظام الأكل والطعام ولكن بدون حصول أي تغيير يذكر على الوزن. الطبيب بدوره يشك بحديث مراجعه ويصر أحيانا بأن المراجع يستهلك السعرات الإضافية بقصد أو دون قصد. المراجع يقول للطبيب والناس كل ذلك بسبب الهرمونات، والطبيب بدوره يقول له بأن فحوص الهرمونات طبيعية.
ربما كلاهما ينطق بالحقيقة، ولكن لا يمكن إنكار دور الهرمونات وتأثيرها على وزن الإنسان، والسبب في ذلك يعود إلى النظام المعقد لإفرازها وخضوعها إلى إيقاع يومي صارم متى ما تم التلاعب به تأثر الوزن. ليس من الصعوبة على سبيل المثال أن يضطرب هذا الإيقاع من جراء التوتر والذي يؤدي إلى إفراز هرمون الكورتيزول Cortisol ومن جراء ذلك تتحول كربوهيدرات الإفطار إلى شحوم مكدسة حول البطن والأحشاء البطنية.
لبتين Leptin
يتصدر هذا الهرمون الذي يتم إفرازه بواسطة الأنسجة الدهنية قائمة الهرمونات المرتبطة بالسمنة المفرطة. يتحكم في صناعة وإفراز هذا الهرمون جينات يتم توارثها٬ والقاعدة العامة عندما تنخفض كتلة الدهون ينخفض تركيزه في الجسم وذلك وبدوره يحفز الشهية وينخفض إنفاق الطاقة حتى يتم استعادة كتلة الدهون. العكس كذلك هو الصحيح وهو مع زيادة كتلة الدهون تزداد مستويات ليبتن وذلك يحبط الشهية ويساعد في فقدان الوزن. هذا النظام الكيمائي يلعب دوره في المحافظة على وزن الجسم الصحي ومقاومة لبتين كثيرة الملاحظة في السمنة المفرطة. كذلك ترتفع مستويات الهرمون مع الاكتئاب والإدمان على الطعام1.
كريلن Ghrelin
هذا الهرمون فعاليته معاكسة لهرمون لبتين ويتم إفرازه من جدار المعدة ومن مناطق أخرى. هذا الهرمون يرفع الشهية ويتم إفرازه كذلك من الأمعاء الدقيقة٬ البنكرياس٬ والدماغ. متى ما تمددت المعدة انخفض إفرازه وتنخفض الشهية. فعالية هذا الهرمون لا تقتصر فقط على الشهية وإنما أيضاً في إفراز هرمون النمو وتكدس الشحوم2.
الأيض والهرمونات
الأيض هي التفاعلات الكيمائية التي يمر بها طعام الإنسان في كل خلية من أجل الحياة والنمو. هناك ثلاث هرمونات تتعلق بالغدة الدرقية وتعمل كفريق واحد وتتحكم بتوليد الطاقة في الخلية وحرق الدهون وهي: ( T3 - T4 - TSH ) عمل هذا الفريق يتأثر بالضغوط البيئية، أمراض مناعة ذاتية، وأمراض الغدة الدرقية نفسها وذلك يؤدي بالتالي إلى فقدان هذا التوازن. ليس من الغريب أن ترى تركيزات هذه الهرمونات غير طبيعية بالرغم من عدم وجود مرض في الغدة الدرقية فيما لا يقل عن 30% من المرضى المصابين باكتئاب شديد.
وهناك هرمون النمو Growth Hormone والناقل الكيمائي المعروف بالأسيتيل كولين Acetylcholine . كلاهما يلعب دوره في معادلة الأيض ويزداد إفرازهما خلال النوم ويساعدان على النمو وإصلاح وبناء الأنسجة العضلية. اضطرابات النمو والإسراف في ممارسة الرياضة قد يؤدي إلى تتثبط إفرازهما وبالتالي قد يؤثر على وزن الإنسان ويتوقف بناء الأنسجة العضلية وتكديس الشحوم بدلا من ذلك، أما الضغوط البيئية فهي لا تؤثر عن طريق إفراز الكورتيزول فحسب وإنما قد تثبط من إفراز هرمون النمو وهذا كثير الملاحظة أحياناً في الأطفال.
الانسولين Insulin والشحوم
تفرز الخلايا الدهنية مادة كيمائية نسميه الاديبوبكتين Adipopectin والذي يرفع من حساسية الخلايا لفعالية الانسولين الذي يوجه الخلية نحو توليد الطاقة. هناك تناغم بين الانسولين والاديبوبكتين يتأثر بعامل احتياجات الطاقة الذي يجب توليدها أما عن طريق الدهون أو العضلات. الإسراف في أكل الكربوهيدرات وقلة النشاط البدني يقلل من إفراز الاديبوبكتين وبالتالي تقلل الحساسية للإنسان في الخلايا الدهنية، ويتم تكديس الدهون حول البطن والأحشاء.
الكلوكوغون Glucagon
حين تتناول وجبة مشحونة بالكربوهيدرات يستجيب الجسم بسرعة إلى إفراز الانسولين والذي يرتفع تركيزه بسرعة. الانسولين لا يستطيع التخلص من الكربوهيدرات تماما ويبدأ بحرق البروتينات وخزن الدهون، ولكن هرمون الكلوكوغون3 يعكس هذه العملية ويساعد على حرق الشحوم المخزونة. يزداد إفراز هذا الهرمون مع النشاط الرياضي ويقل مع طعام يفتقر إلى البروتين، والألياف، والفاكهة، والخضراوات.
العقاقير الجديدة لخفض الوزن المعروفة ناهضات مستقبلات GLP-1 فعاليتها مطابقة لفعالية كلوكوغون واستناداً إلى معظم البحوث الميدانية فإن هذه العقاقير تختلف تماما عن العلاجات السابقة الغير فعالة رغم النوايا الحسنة لوصفها.
هناك ثلاثة عقاقير في طريقها للتسويق وهي
١- سيماجلوتايد Semaglutide الدنماركي الأصل
٢- اوزيمبك Ozempic وهو عقار يستعمل لعلاج السكري لكن سيتم تسويقه بجرعة أقل لعلاج البدانة
٣- عقار أمريكي ترزاباتيد Tirzepatide لشركة ايلي ليلي Eli Lilly سيتم طرحه نهاية العام ويقال بأنه أكثر فعالية
جميع هذه العقاقير يتم استعمالها كحقن أسبوعية وباهظة الثمن وسوقها السنوي سيكون بمئات البلايين سنوياً. تكاليف العلاج لا تقل عن ألف دولار شهرياً. جميع هذه العقاقير تعمل كهرمون كلوكوغون Glucagon-like peptide ونتيجتها مساعدة الجسد في إفراز انسولين عند الحاجة٬ خفض كمية السكر المصنوع في الكبد٬ خفض سرعة الهضم وبالتالي امتصاص السكر٬ وخفض الشهية.
في نهاية المطاف استعمال أي عقار بصورة واسعة يكشف حقاً عن فعالية الدواء وسلامته على المدى البعيد. هناك أعراض جانبية قصيرة المدى من القيء والاسهال٬ ولكن على المدى البعيد لا يمكن القول بأنها سليمة ١٠٠٪. التجارب على الحيوان أثبتت علاقة هذه العقاقير بأورام الغدة الدرقية الخبيثة والتهاب البنكرياس٬ ولذلك استعمالها يقتصر فقط على عامين وليس طوال العمر. كذلك تشير بعض الدراسات أن ما تم فقدانه يعود بعد وقف العلاج.
الأدرينالين:
هذا هو هرمون الطوارئ والأزمات الذي يرفع من نشاط الإنسان وتحرير الطاقة من السكريات والدهون. الذي يحدث أحيانا مع توتر مزمن ارتفاع إفرازه بصورة مستمرة وبالتالي تفريغ مستودعات الطاقة ولجوء الإنسان إلى الإسراف في استعمال الطعام الغير الصحي الذي لا يساعد على تنشيط الإنسان.
ديهيدرو إيبي أندروستيرون dehydroepiandrosterone
يعرف هذا الهرمون ب DHEA اختصارا وهو أكثر الهرمونات الجنسية وفرة في الجسم البشري، ويطلق البعض عليه اسم هرمون السعادة ويتم افرازه عن طريق العلاقات الحميمية وانتظام الإيقاع اليومي. نظرياً يرفع من تركيز الإنسان ونشاطه ويحمي العضلات من الاحتراق لتوليد الطاقة رغم أن الدليل القاطع على ذلك غير مؤكد. يسمى هذا الهرمون أيضاً بهرمون منع الشيخوخة ويتواجد في الرجال والنساء على حد سواء ولا يؤدي إلى ظهور علامات ذكورية في النساء. يقل إفرازه مع تقدم العمر وعدم جودة النوم. يستعمله البعض بصورة غير مشروعة لزيادة النشاط في الألعاب الرياضية، استعمال أقراص هذا الهرمون غير مرغوب فيها ولا فائدة منها وما يتم إفرازه طبيعيا هو المفيد ويتحول إلى هرمون الذكور والإناث.
النصيحة
الإنسان يبحث دوماً عن حل سريع لمواجهة أزماته الصحية المزمنة وفي الطليعة أزمة البدانة وعواقبها الصحية. الغاية من طرح المعلومات أعلاه هو توضيح دور الهرمونات المختلفة في تنظيم الشهية والوزن وتناسق ذلك مع فعالية الإنسان وطعامه. العقاقير والجراحة وغير ذلك قد تفيد البعض٬ ولكن قبل الشروع باستعمال عقار أو طلب الجراحة على الإنسان التفكير بما يحدث في جسمه مع إفراز مختلف المواد الكيمائية. هذا القالب المعرفي يساعد الإنسان في بذل الجهد للسيطرة على طعامه وكذلك على وزنه وربما خير ما يفعله هو:
١- إيقاع يومي منتظم من نوم وأكل ونشاط.
٢- ممارسة نشاط بدني 5 أيام في الأسبوع.
٣- توازن الطعام ببساطة من بروتين وكربوهيدرات ودهون وألياف بنسب 1 = 1 = 1 =1.
٤- تحتاج إلى 38 غم من البروتين الصافي يومياً.
٥- لا تسرف في الكربوهيدرات.
٦- ممارسة الاسترخاء.
٧- الابتعاد عن التوتر والتمسك بالسعادة.
مصادر
1- Morris A, Ahmed Y, Stoyanova N, Hooper W et al. The association between depression and leptin is mediated by adiposity. Psychosom Med 21012; 74: 483-488.
2- Pradhan G, Samson S, Sun Y. Ghrelin: much more than a hunger hormone. Curr Opin Clin Nutr Metab Care 2013; 16(6): 619-624.
3- Al-Massadi O, Ferno J, Dieguez C, Nogueiras R, Quinones M. Glucagon control on food intake and energy balance. Int J Mol Sci 2019; 20: 3905.
واقرأ أيضاً:
العلاج النفسي لاضطراب الشخصية الحدية / الاستشارة الطبنفسية (الطبنفسانية)