العديد من الحالات النفسية تبدو وكأنها ذات قابلية عالية للعدوى، ويأتي في مقدمتها الاكتئاب، فهو مرض معدي بدرجات متفاوتة، ومتوافقة مع الظروف البيئية التي يتأكد فيها.
وتشترك في انتشاره عوامل متنوعة ذاتية وموضوعية، فالكآبة كالبذرة تحتاج لظروف بيئية صالحة لإنباتها، وهي قدحة ذاتية تؤازرها الظروف الموضوعية، لتتسع وتكتسح وجود الإنسان الفردي والمجتمعي.
وهذا الطرح ليس بجديد، والشواهد السلوكية عليه متكررة وعبر العصور، والكثير من الأحداث والتطورات ناجمة عن وباء الكآبة، الذي يجتاح البشرية ويدفعها إلى سلوكيات انتحارية فادحة الخسائر والتداعيات التي تسمى بالحروب، وهي تعبيرات سلبية عن الكآبة الفاعلة في المجتمع برمته.
ومن المعروف أن الرأس هو البوصلة الأساسية للسلوك، سواء كان رأس الفرد أو رأس الجماعة المتمثل بالقائد أو الحاكم والسلطان وغيره من المسميات، فإذا أصيب ذلك الرأس بالكآبة فسيندفع بسلوكيات معبرة عنها ويقوم بتنفيذها أبناء ذلك المجتمع.
وفي التأريخ أمثلة عن القادة المكتئبين الذين أوردوا البشرية الويلات الجسام، ومنهم في الأزمنة الماضية، وبعضهم في القرن العشرين، وها نحن نعايش البعض الآخر في القرن الحادي والعشرين.
فالكآبة من أخطر الأمراض التي تصيب النفس وتمتهن العقل، وتعبر عن وجودها بالسلوك التدميري الفظيع.
فالفرد ينتحر والمجتمعات والأمم تنتحر، ويغفل المؤرخون دور الكآبة في انهيار الحضارات، فما أن يتمكن منها كرسي مكتئب حتى يقضي عليها وتأتي غيرها لتحل مكانها، وبهذه الآلية تساقطت معظم الحضارات والدول والإمبراطوريات، وهناك عوامل أخرى، لكن الكآبة ذات دور كبير، وتدب في جسد الحالة شيئا فشيئا حتى تلقيها في غياهب حتفها الأليم.
والمشكلة في الكآبة أنها تحجم الرؤية، وتدفع بالمصاب إلى الاندحار في ذاته، فيفقد القدرة على رؤية ما حوله، ويحسب كل شيء لا قيمة له وإلى زوال، وفي جوهرها تمثل وجه الموت القاضي بالفناء.
ويبدو أن وباء الكآبة يتحقق استثماره لتمرير مشاريع افتراسية تدميرية هائلة التداعيات، وذلك بإفراغ المجتمعات من طاقة الحياة، ومدها بأسباب الموت والهلاك والضياع.
فهل من وعي لخطورة الداء الاكتئابي الوخيم؟!!
وهل من فحص سنوي لأصحاب الكراسي العسيرة؟!!
واقرأ أيضاً:
عبث العقول!! / كلام كالعسل وفعل كالأسل!!