قد يبدو العنوان غريبا، إذ كيف يحكم إسرائيل دكتاتورا مع أنها دولة ديموقراطية، أو على الأقل لديها مؤسسات وآليات ديموقراطية للوصول إلى الحكم، وكيف تسمح مؤسسات وآليات ديموقراطية بوصول شخص يتعامل بطريقة دكتاتورية إلى قمة السلطة عدة مرات على مدى 16 عاما قضاها كرئيس للوزراء، وهي أطول مدة لرئيس وزراء في إسرائيل، هذا بخلاف المناصب الوزارية الأخرى العديدة التي شغلها، وكأن الرجل لديه شغف جنوني وتعلق هوسي بالسلطة لا يكاد يغادرها بالقواعد الديموقراطية حتى يسعى بكل قوة للعودة إليها متلاعبا بتلك القواعد أو مراوغا لها. وكلمة دكتاتور تعني أن الشخصية يجب أن يتوافر فيها سمات نرجسية (التمركز حول الذات، والإحساس بالعظمة والتفرد، وازدراء الآخرين واستغلالهم)، وسمات بارانوية (الشك، وسوء الظن، والتعالي، والغطرسة، والقهر، وحب السيطرة والتحكم، والعدوان، والاستبداد)، وسمات سيكوباتية (المراوغة، والخداع، والكذب، ونقد العهود والوعود، وبلادة المشاعر، وانتهاك حقوق الآخرين بلا رحمة، وعدم الإحساس بالندم أو الخطأ، والاستخفاف بكل المعايير الدينية والأخلاقية والإنسانية، والفساد السلوكي) فهل تسمح الآليات الديموقراطية بمرور كل هذه الصفات مرات عديدة إلى قمة السلطة؟. هذه الغرابة وهذه التناقضات سنفهمها من التحليل النفسي لشخصية بنيامين نتنياهو، ذلك التحليل الذي يساعدنا على فهم هذه الشخصية والتي تلعب دورا شديد الخطورة والأهمية في الأحداث الجارية محليا وعالميا، والتي أثرت سمات شخصيتها في مجرى الأحداث تأثيرا بالغا (ومازالت). ولكي أبتعد عن التحيزات الشخصية فقد اخترت منهجية قائمة على استكشاف معالم الشخصية من مصادر متعددة وبطريقة علمية موثقة ومن علماء ومؤسسات محسوبين على المجتمع الإسرائيلي والمجتمع الغربي (حيث لا شبهة في معاداة زعيم إسرائيلي).
هذا التحليل ينبني على منهجية مسح شامل على مدى سنوات عن شخصية نتنياهو سواء في كتب أو تصريحات صدرت عنه هو نفسه، أو ما كتب عنه بواسطة آخرين، أو لقاءات قام بها، وأيضا على ملاحظة سلوكه في مواقف وأحداث عديدة، ونظرا لأنه من أكثر الشخصيات ظهورا في قيادة إسرائيل على مدى سنوات طويلة، فقد كانت هناك فرصة كبيرة لقراءة شخصيته من خلال منهجية علمية نشرت في العديد من الدراسات، ولقد حاولت أن ألخص ماورد فيها في هذه الدراسة، وأن أبسط المصطلحات لتكون سهلة الفهم على القارئ غير المتخصص، ولمن يريد التفاصيل أن يعود للمراجع المذكورة.
السمات الأساسية في الشخصية:
الأنانية: هناك عدد من الأنماط السلوكية لنتنياهو تمثل بعد الأنانية:
1. النجاح الشخصي أهم بالنسبة له من الأيديولوجية وهو يسعى باستمرار لتحقيقه على حساب أي شيء. ويتجلى هذا النمط في قبوله المساعدة من المساهمين الأمريكيين الذين لديهم وجهات نظر متطرفة تختلف تمامًا عن آرائه (Kim، 1996a). ولا يتردد في استغلال الآخرين، بما في ذلك الزملاء، من أجل تحقيق النجاح. ويصف الصحفي يوئيل ماركوس نتنياهو قائلاً: "إنه يتمتع بشخصية كاريزمية، ومندفع، وينحدر من عائلة طموحة للغاية، وأناني، وذئب وحيد، وهو نوع من الأشخاص يمكن القول إنه ليس له إله" (ماركوس، 1996).
2. يرى نتنياهو نفسه أكثر إدراكا من الآخرين. وبالتالي فإن من يختلف معه لا يفهم العمليات التاريخية/ السياسية بشكل صحيح. وبحسب شهادة صحافي أجرى معه مقابلة، فإن نتنياهو مقتنع بأنه يميز العمليات التاريخية التي لا يعرفها الآخرون، ويعتقد أن مهمته البطولية هي إنقاذ وطنه (شافيت، 1996).
3. موقفه من الأشخاص الذين يعملون معه بشكل وثيق يتمحور حول الذات. وتصل بعض سلوكيات الانخراط في الذات إلى درجة أن الآخرين لا يتلقون أي اعتبار، وتتجلى هذه السمة أيضًا في تلاعب نتنياهو بزملائه
(Kim، 1997a).
4.هناك سمة ذات صلة بنفس القدر من الوضوح وهي صعوبة نتنياهو في تقدير وجهات نظر أخرى غير وجهة نظره (بنزيمان، 1993). ولم تقدم كتب نتنياهو وخطاباته أي أمثلة على محاولات فهم أو تقديم وجهات نظر أخرى غير وجهة نظره.
5. يجد نتنياهو صعوبة في التمييز بين الأبعاد الشخصية والعامة أو السياسية لحياته، فعلى سبيل المثال، في اجتماع لكبار أعضاء الليكود بعد قضية بار أون (فضيحة اتُهم فيها مسؤولون حكوميون كبار بمحاولة التلاعب بالعدالة)، علق قائلاً: "أتلقى الكثير من الدعم من جميع مناطق البلاد يقولون لي أن أكون قويا وصامدا، 'نحن معك ؛ لا تسمح لهم ؛ الحقيقة ستنتصر، لأن هذا هو ما يعتمد عليه نجاح الشعب اليهودي، نجاح دولة إسرائيل، ولن يُهزموا أبدًا" (فيرتر، 1997).
6. يتأخر نتنياهو بشكل مزمن عن الاجتماعات حتى مع رؤساء الدول، وهو ما يفسره القادة الأجانب والسياسيون وغيرهم على أنه مهين ومهين (بنزيمان، 1997). ويمكن الافتراض بأمان أن رئيس الوزراء على علم بردود الفعل هذه (بعضها نُشر في الصحافة)، لكن هذه التقارير لم تؤثر على سلوكه.
الطموح والإصرار: ربما يكون الطموح والإصرار من أبرز سمات شخصية نتنياهو، ويتم التعبير عن الطموح في رغبته في أن يكون الأفضل، وأن يكون الأول، وأن ينتصر على الآخرين، وأن يصل إلى القمة (هورويتز، 1992: 6). ويلاحظ أنه يضع أهدافاً عالية ولا يكتفي بالنجاحات الجزئية، ولا ييأس أبدا ولا يستسلم أبدا. وقد تجلى هذا العناد عندما كان سفيرًا لإسرائيل لدى الأمم المتحدة، حيث ناضل بلا هوادة ضد الأمين العام للأمم المتحدة وممثليها، وفاز في النهاية بقرار فتح ملفات الأمم المتحدة بشأن الجرائم النازية (Argaman، 1987: 46). لقد أظهر تصميماً هائلاً رغم كل الصعاب، مما يعكس قوة الإرادة القوية ودرجة عالية من السيطرة. وذكر البروفيسور جروسر في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا أن نتنياهو كان الرجل الأكثر طموحًا وتركيزًا الذي رآه على الإطلاق، ولديه استعداد مذهل للعمل الجاد من أجل تحقيق الأهداف (يديعوت أحرونوت، 1996: 7).
العدوان والتلاعب: يرى نتنياهو أن اللعبة السياسية تحكمها "قوانين الغابة"، حيث يبقى القوي ويسقط الضعيف على جانب الطريق. وبالنسبة له، تحقيق الهدف يبرر أي وسيلة سياسية (Sheory، 1985)، ويتجلى هذا النهج في سلوك نتنياهو وتصريحاته. وفي معظم الحالات، لا يتصرف بدافع العدوان أو الحقد أو القسوة، بل يتجاوز كل هذا لأن هيمنته وتلاعبه تنبع من حسابات باردة وعقلانية، موجهة فقط نحو تحقيق الأهداف بأي ثمن. وعلى سبيل المثال، عندما كان يشكل حكومته، أشار كبار أعضاء الليكود إلى أنه كذلك، فهو يقوم بتصفية الحسابات بشكل منهجي، وإذلال قادة الحزب والسيطرة عليهم. وقد تم سحق الأفراد الذين يشكلون تهديدًا له (فيرتر، 1996ب).
ولقد تم تحديد العديد من الأنماط السلوكية المتميزة والمتكررة منذ دخول نتنياهو إلى السياسة نذكر منها مايلي :
(أ) يهاجم بشكل استباقي أي شخص يُنظر إليه على أنه خصم أو منافس. وقد يكون الهجوم مباشراً أو غير مباشر (الجولان، 1995).
(ب) يهدف إلى التقليص والتقليص، وإذا لزم الأمر، طرد الحلفاء الذين قد يهددونه في المستقبل، ويتم التعبير عن ذلك في المراوغة والسخرية من المنافسين المحتملين، أو حتى الحلفاء الذين قد يهددون مكانته المستقبلية (فيرتر، 1997).
(ج) يستعين بمساعدين وزملاء للقيام "بأفعال" قد تثير الغضب أو الانشقاق، ثم، اعتمادًا على النتائج، إما أن يدعمها أو ينكر أي تورط شخصي لها (Kim، 1997a).
(د) يبرم المعاهدات وينقضها، مما يقرب الناس منه أو يبتعد عنهم، حسب الاحتياجات أو الاعتبارات السياسية الحالية، وقد يكون حليف اليوم منافس الغد، والعكس صحيح (ماركوس، 1997ب)، فهو يستخدم الناس لتلبية احتياجات فورية، دون ولاء أو التزام طويل الأمد.
ويتبع >>>>>: التحليل النفسي لشخصية نتنياهو -دكتاتور إسرائيل-2
واقرأ أيضاً:
الدعم النفسي للأشخاص في زمن الأوبئة والحروب3 / الرد على بيان الجمعية الأمريكية للطب النفسي