كنت أقرأ كثيرا للمؤرخ البريطاني توينبي (1889 - 1975)، وما كنت أدرك ما يعنيه في بعض عباراته، ومنها "الغاب الدولي"، حيث فسرها بأن العلاقة بين الدول غابية الطباع، مثلما يحصل بين المخلوقات المتصارعة في الغابة.
عدت إلى كتبه أتأمل عباراته التي قرأتها قبل عقود، ووجدته يقرأ المستقبل ببصيرة خبير عليم.
توقع أن تتسارع خطوات الإبداع والابتكار لزيادة عدد البشر وإطالة عمره، بعد الانتصار على الأمراض السارية والمعدية والتقدم الطبي المتسارع.
وعندما نتأمل واقع الأحداث الجارية، تبدو وكأنها تداعيات غابية، فالقوي يفترس الضعيف، والأقوياء لا قلب ولا عقل عندهم، وإنما تقودهم النفوس الأمّارة بالسوء المتأججة في دنياهم، ولديهم القدرة الفائقة على تبرير وتمرير أفظع المآثم والجرائم، فهم يمتلكون القوة العسكرية والإعلامية والمادية، ويستعمرون العديد من الدول الضعيفة المستكينة لإرادتهم.
وعندما تحضر القوة، يتعطل العقل وينام الضمير، وتكشر الوحوش عن أنيابها وتتأهب بمخالبها، وتجد الضحايا أمامها ترتعش، منتظرة مصيرها المحتوم.
وبعد أن بلغ الإبداع التقني ذروته فأن القوة تنامت وفاقت الخيال، وأصبح القول للصواريخ والمسيرات والقنابل والرؤوس النووية وما بعدها.
ومن الملاحظ أن الدول القوية تعين على الدمار والخراب، أكثر من عونها على البناء والإعمار المتنوع، وتجدنا بين فينة وأخرى نسمع بمساعدات بليونية لهذه الدولة أو تلك، لإدامة الحروب وتوسيع دائرة الدمار وسفك الدماء، وبعضها تؤازر الإبادات الجماعية وتعتبرها مشروعة.
فلماذا لا ترصد البلايين لخير البشرية، لا لويلاتها؟
إن الأقوياء يجيدون تبرير ما يقومون به ويضعونه في خانة التعبير عن القيم والمثل الإنسانية، وهم يجهزون عليها ويمحقونها في الواقع التفاعلي المرير بين الدول.
فالقوة لها الحق فيما تقوم به، وكل ضعيف مذموم مرجوم، وكل قوي يتمادى في طغيانه المبيد لمن يقف أمامه، ويعوق تدفق رغباته وتحقيق نواياه.
فهل وجدتم أسدا يعوي، أو حملا يتأسد؟
فاين القوة يا أمة، "وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة.."؟!!
و"العصا لمن عصى"!!
واقرأ أيضاً:
التوحش المُستدام!! / الخلفاء والجواري!!