القدرة على التفوق تتلخص بالقابلية على تحويل ما هو مثالي إلى فعل واقعي مؤثر في صناعة الحياة.
والقدرة على التأخر يمكن اختصارها بالتحليق الدائب في فضاءات المثالية العلياء، بعيدا عن ملامسة الواقع والتفاعل معه.
وهذا يأخذنا إلى مأساة النظرية والتطبيق، التي عاشتها مجتمعاتنا على مر العصور، فما أسهل التنظير وأغزره، وأقل التطبيق وأندره.
فالعلة التي صنعت أحوالنا السيئة، تكمن في فقدان مهارات التعبير عن الأفكار بآليات عملية، ولو بحثتم بما كتب عن الموضوع لعثرتم على كتابات هائلة تتناول النظريات الخيالية، فمعظم ما أنتجه المفكرون لا يخرج من صندوق النظريات العاجزة عن التطبيق.
ولا توجد بحوث وكتابات ذات قيمة تطبيقية، وكأن المفكرين يخشون الاقتراب من التطبيق ويستلطفون التنظير، لأنه أسهل ويزيدهم هروبا وابتعادا عن المواجهة والتحدي.
أحزاب الأمة بأسرها فشلت في ترجمة شعاراتها، وتخبطت في الكرسي كالمصروع.
وأصبح القول هو العمل ، وتسيدت في المجتمع التفاعلات الكلامية ذات التداعيات الخصامية، فهي تطارد خيط دخان، وتغطس في بحر السراب، وتحسب أنها تمشي فوق التراب.
وبسبب الغرق المتواصل في النظريات والتأويلات الفارغة، والتحليلات الحارقة، تحولت الحياة في مجتمعات "قال"، إلى كيانات واهية ذات قابليات عالية على التبعية والخنوع، والانبهار بما يأتي به الآخرون من إبداعات ومبتكرات.
ويبدو أن الأجيال تدور في دائرة مفرغة من الإحباطات، ولا تمسك بيديها ما هو جدير بالفخر والاعتزاز، فالكلام منحوت في مسلات الهواء، والإبداع المادي المعاصر مجهوض، والقول السيئ قائد ومقدام ومتوثب نحو سفك دماء الأبرياء.
وبموجب ذلك فمجتمعات الأمة، تتفوق على غيرها بالكلام، وفي آخرها بالفعل المستدام، وما تجنيه من أقوالها ركام.
فإلى متى سنبقى نتمرغ بأوحال النظريات الخائبات؟!!
واقرأ أيضاً:
الكفاءات بين الرعاية والإعادة!! / الأحزاب الكرسوية!!