زملة الجوع المَرَضي Morbid Hunger Syndrome (زملة كلاين ليفين)Kleine-Levin Syndrome:
عادةً يذكرُ هذا المرض عند الحديث عن اضطرابات النوم في الطب النفسي، للتذكير بأنه أحدُ التشخيصات المحتملة لمن يشتكونَ من نوباتٍ طويلةٍ من النوم الذي لا يقاوم، وعادةً يسمَّى كثرة النوم النوبية Hypersomnia Periodica، أو زملة كلاين ليفين، أي أنهُ ليسَ اضطرابَ أكلٍ بل اضطرابُ نوم، حتى أن اسم زملة الجوع المرضي هذا كان جديدًا عليَّ لكنني اخترته لأنهُ الأقربُ لموضوع البدانة والنحافة ويبينُ الصفةَ المرضية للجوع في هذه الزملة، وقد وصف ذلك المرضُ لأول مرة في العقدين الثالث والرابع من القرن الماضي (Kleine,1925) و(Levin,1936) و(Critchley & Hoffman,1942)، إلا أن ندرةَ حدوثه أو تشخيصه ما تزالُ تجعلُ المعلومات المتوفرة عنهُ قليلةً، لكنني اخترتُ تعريف القارئ والطبيب العربي به، لكي يكونَ في ذهن من يقابلُ مريضًا تحدثُ له نوبات الدقر.
وعادةً ما يصيبُ هذا الاضطرابُ الذكور بينَ عمر الخامسة عشر والخامسة والعشرين، وتستمرُّ نوباتهُ في التكرار إلى أن تزول تدريجيا بعد عمر الأربعين(Kydd,1995) وأما صورتهُ المرضية فهيَ عبارةٌ عن نوبات من النوم الذي لا يقاومُ Hypersomnolence والذي تتراوح مدته بينَ عشرة وعشرينَ ساعةً يوميا يمضيها المريضُ في السرير، إضافةً إلى ما يحدثُ أثناءَ فترات الصحو خلال النوبة من القشم القهري Compulsive Overeating الذي كثيرًا ما يخلـفُُ البدانة، وهناكَ كذلك نوعٌ من الانفلات الجنسي Sexual Disinhibition (والذي يختلفُ تقييمهُ من مجتمعٍ لمجتمع)، وبعض الأعراض المعرفية والشعورية مثل النزق واختلال الإنيةِ Depersonalisation والاكتئاب وربما بعض الهلاوس العابرة Hallucinations وكذلك بعض السلوكيات الاندفاعية Impulsive Behaviors والتي كانَ يعبرُ عنها في الكتابات القديمة بتغيرات الشخصية Personality Changes، وتستمرُّ مثلُ هذه النوبات ربما أيامًا وربما أسابيع، وتحدثُ مرتين أو أكثر كل عام،
وليستْ هناكَ علاماتٌ ثابتةٌ لكيفية الدخول أو الخروج في النوبة فعادةً ما تبدأ النوبة دون عاملٍ مرسب وقد تبدأ فجأةً أو بالتدريج كما أنها قد تنتهي فجأةً أو بالتدريج، لكنَّ الشخص يعودُ لحالته الطبيعية ما بينَ النوبات، وربما تكونُ لديه ذاكرةٌ جزئيةٌ فقط لما حدثَ أثناء أيام أو أسابيع النوم (Critchley,1962)، تلك الفترةُ التي كانَ فيها ينامُ معظمَ اليوم فإذا قامَ من نومه قام غاضبًا ومزعجًا وجائعًا جوعًا لا يقاومُ ولا يُسَدُّ مهما أكلَ إلى حد الدقر، وربما قال ما لا يقال أو فعل ما لا يفعلُ من السلوكيات خاصةً الجنسية منها دونَ مراعاةٍ لوجود الآخرين، الشخص نفسه عادةً ما لا يتذكرُ شيئًا من ذلك، وعادةً ما لا يكونُ لديهِ دليلٌ على صدق ما يحكيه له الآخرون غير الزيادةِ المفاجئة في وزنه.
ومن أحدث ما قرأتُ منشورا من الدراسات عن هذه الزملة دراسة تجميعية (Arnulf, et al., 2005) للحالات المنشور عنها في الدوريات العلمية باللغة الإنجليزية، وقد صنف الباحثون في تلك الدراسة مرضى كلاين ليفين إلى نوعين أولي Primary KLS وثانوي Secondary KLS استنادا إلى وجود أعراض خلل في الجهاز العصبي قبل بداية أولى نوبات الزملة واستمرار تلك الأعراض بين النوبات، وقد بينت الدراسة:
تحدث الزملة الأولية Primary KLS أكثر في الذكور، وفي المتوسط تكون بداية الأعراض المرضية في سن الخامسة عشر (81% من الحالات تبدأ في العقد الثاني من العمر)، وتستمر الأعراض في بعض الحالات لسنوات ثمان، وتحدث النوبات كل ثلاثة أشهر ونصف الشهر في المتوسط ومتوسط فترة كل نوبة هو 10 أيام، لكن الزملة الأولية تبقى أطول في الإناث وفي المرضى الذين لا تكون كثافة نوباتهم عالية في السنة الأولى للمرض، وكانت أكثر العوامل المفجرة Precipitating Factors للنوبات هي أي عدوى (38.2%) Infections، إصابات الرأس (9%) أو شرب الخمر (5.4%).
وكانت أعراض النوبة الأكثر شيوعا هي:
1- فرط النوم Hypersomnia في 100% من الحالات.
2- تغيرات معرفية في 96% من الحالات بينها شعور نوعي بتبدل الواقع .Derealization
3- اضطراب سلوك الأكل في 80% من الحالات.
4- فرط النشاط الجنسي Hypersexuality في 43% من الحالات.
5- أفعال قهرية Compulsions في 29% من الحالات.
6- مزاج اكتئابي في 48% من الحالات.
وقد بينت المحاولات العلاجية أن فرط النوم تحسن باستخدام المنبهات (مثل الأمفيتامين) في 40% من الحالات بينما كانت فائدة مضادات الذهان أو مضادات الاكتئاب قليلة، وانفرد ملح الليثيوم من بين مثبتات المزاج -ومنها مضادات الصرْع- بإحداث الاستجابة الجيدة إذ توقفت النوبات في 41% من الحالات التي تناول المرضى فيها عقار الليثيوم مقارنة بنسبة 19% فقط ممن لم يتناولوا عقاقير، وأما الحالات الثانوية Secondary KLS من الزملة فتحدث في سن أكبر وتكون النوبات فيها أكثر كثافة وطولا إلا أن الأعراض والاستجابة العلاجية كانت مشابهة للحالات الأولية، واستنتج الباحثون أن زملة أعراض كلاين ليفين هي مرض فريد وقد يكونُ أكثر شدةً في الإناث وفي الحالات الثانوية (Arnulf, et al., 2005).
وسببُ هذا المرض غير معروفٍ، وإن شكَّ البعضُ في علاقته بما قد يسبقهُ من الحُمى في بعض الأحيان، وربما عزاه البعض إلى عدوى فيروسية أو إلى التعرض المفرط للشمس، ورأى البعضُ أنهُ مرضٌ وراثي، ويفترض بعض الباحثين أيضًا أنه أحد اضطرابات المناعة الذاتية autoimmune disorders وكلها في الواقع مجردُ افتراضات أو ملاحظاتٍ مبدئية ما تزال، لكنَّ علاقة أعراض الاضطراب بالوطاء Hypothalamus، تبدو واضحةً لأن تنظيم الأكل والنوم غيرهما من الوظائف الحيوية مرتبطٌ بالوطاء، وأما عن العلاج فما يزالُ غير معروفٍ إلى يومنا هذا، وما يستطيعهُ الطبيبُ النفسي بعد التأكد من التشخيص واستبعاد الاعتلالات المخية والعضوية المعروفة، هو إعطاءُ عقاقير تقللُ من سطوة النوم قدر الإمكان وهيَ العقاقير المنبهة مثل عقار الأمفيتامين، كما يستطيعُ الطبيبُ في وجود ما يشيرُ إلى اضطراب اكتئابٍ مواكبٍ أن يستخدمَ عقاقير علاج الاكتئاب والتي تعطي تحسنًا في الأعراض (Stein, 1994).
المراجع:
Kleine, W. (1925) : Periodische Schlafsucht. Monatsschrift für Psychiatrie und Neurologie, 57: 285-320. ”Quoted from M. Critchley, H. Hoffman (1942)”
Levin, M. (1936) : Periodic somnolence and morbid hunger: A new syndrome.Brain, Oxford, 59: 494-504. ”Quoted from M. Critchley, H. Hoffman (1942)”
Critchley, M. & Hoffman, H. (1942) : The syndrome of periodic somnolence and morbid hunger (Kleine-Levin syndrome).British Medical Journal, London, 1942, 1: 137-139.
Kydd, R.R. (1995) : Sleep disorders. In T. Speight & J. Sutherland (eds.), New ethicals disease index (4th ed.) Auckland: Adis International Limited.
Critchley, M. (1962) : Periodic hypersomnia and megaphagia in adolescent males. Brain, Oxford, 1962, 85: 627-656.
Arnulf, I., Zeitzer, J.M., File, J., Farber, N. & Mignot, E. (2005): Kleine–Levin syndrome: a systematic review of 186 cases in the literature. Brain 128(12):2763-2776.
Stein, J.H.(ed.) (1994) : Internal medicine (4th ed.) St.Louis: The C.V. Mosby Company
واقرأ أيضًا:
اضطراب نوبات الدقر مشاركة / الشره والنهي عنه في الإسلام