من أجل أن يكونَ فهمنا للآثار الجنسية الجانبية لل.م.ا.س.ا ممكنا لابد من إعطاء مقدمة عن المفهوم من دور الناقلات العصبية في الوظيفة الجنسية، فهذا الفهم مهم لنوضح طرق التعامل مع تلك الآثار الجانبية عند حدوثها، وكذلك لابد من شرح مراحل دورة الاستجابة الجنسية، فبعد أن نقدم عرضا موجزا لدور الناقلات العصبية في الوظيفة الجنسية، سنعرض خلال أجزاء هذا المقال مراحل دورة الاستجابة الجنسية شارحين ما قد يظهر فيها من الآثار الجانبية لل.م.ا.س.ا لأن من خلال عملها على السيروتونين يمكنها التأثير في مرحلة دون أخرى، وقد يختلف ذلك من شخص لشخص أو حسب الجنس، فالتأثير في مرحلة قد يراه بعض الناس إيجابيا بينما يراه الآخرون أمرا مزعجا، فمثلا أكثر وأشهر تأثيرات الم.ا.س.ا الجنسية وهو تأخير القذف، نراه مطلوبا في معظم الرجال مرفوضا في النساء.
وهناك تأثيرات أخرى على الإرجاز كما سنرى، وأيضًا هناك التأثير على مرحلة الرغبة وهو فقدان الشهية للجنس، وهناك كذلك التأثير على مرحلة الإثارة فمن النساء من تشكو مثلا من نقص التزليق المهبلي أو قلة الإحساس الجنسي بسبب استخدامها لعقار يعمل على السيروتونين، ومن الرجال من يلحظ ضعفا في الانتصاب أيضًا.
وكما ذكرنا من قبل في مقال حكاية الم.ا.س والم.ا.س.ا؟ الآثار الجانبية فإن عقاقير الم.ا.س.ا طرحت في الأسواق بصورة وردية مبالغ فيها، ورغم أن الآثار الجانبية الجنسية التي تعزى الآن إلى الم.ا.س.ا كانت تحدثُ أيضًا مع مضادات الاكتئاب ثلاثية الحلقة tricyclic antidepressants وغيرها من العقاقير القديمة إلا أن المعلومات الدقيقة القائمة على الدراسات العلمية كانت قليلة نظرا لقلة الدراسات التي اهتمت بهذه النقطة، ومن بينها دراسة أوضحت شيوع اللاإرجاز anorgasmia (أي الفشل في الوصول إلى الإرجاز) في مستخدمي عقار الم.ا.س (الكلوميبرامين) من مرضى الوسواس القهري (Monteiro et al, 1987)، ومن المضحك المبكي بهذا الشأن أن عقَّار الكلوميبرامين يعد واحدا من أكثر الأدوية النفسية بيعا من فوق نضد الصيدليات (Over The Counter (O.T.C دون وصفة طبية كمقوٍّ جنسي للذكور حيث يضعه الصيادلة ضمن جرعة الجنس -على غرار جرعة الأنفلونزا-، وليس الكلوميبرامين (الم.ا.س) فقط فإلى حد ما تباع عقاقير الم.ا.س.ا من فوق النضد أيضًا لنفس الغرض، ولا أحد يعرف الحقائق كاملة لا من المرضى ولا الصيادلة كما سنرى في هذا المقال.
دور الناقلات العصبية في الوظيفة الجنسية:
يعتقد العلماء أن عددا كبيرا من الناقلات العصبية والهرمونات تقوم بدور ما في الحفاظ على وظيفة جنسية طبيعية، ولكن دور كل من هذه المواد الحيوية غير مفهوم بدقة حتى الآن، ومن بين تلك الناقلات والهرمونات الدوبامين dopamine والنور أدرينالين noradrenaline والسيروتونين serotonin والأستيل كولين acetylcholine والأوكسيتوسين oxytocin وأكسيد النيتريك nitric oxide وغيرهم، ويفترض العلماء أن التغيرات التي تطرأ على الدوبامين والسيروتونين وأكسيد النيتريك ربما تكون الأهم في إحداث الآثار الجنسية الجانبية للعقاقير نفسية التأثير وكذلك في علاجها (Baldwin et al, 1997)، وقد بينت الأبحاث على حيوانات التجارب أن زيادة السيروتونين في المخ عن معدلاته الطبيعية يمكنُ أن تثبط السلوك الجنسي وزيادة السيروتونين في المخ هي الأثر العلاجي المطلوب من عقاقير الم.ا.س والم.ا.س.ا، ومن المعروف الآن أن زيادة نشاط السيروتونين يقابلها تثبيط لنشاط الدوبامين في المخ، وقد يكونُ لتقليل نشاط الدوبامين تأثيرا يقلل من كفاءة الأداء الجنسي فقد يؤثر ذلك على الشهية للجنس وقد يؤثر وإن بدرجة أقل على الانتصاب في الذكر أو التزليق المهبلي في الأنثى وقد يستخدم عقار السيلدينافيل (الفياجرا) والذي يعمل من خلال تأثيره على أكسيد النيتريك، وكذلك فإن استخدام مضادات السيروتونين كعقار السيبروهيبتادين cyproheptadine يمكن أن يعالج آثارها الجنسية الجانبية المتعلقة بمرحلة الإرجاز كما بينت التجربة الإكلينيكية على كثيرين من المرضى المستخدمين لعقاقير الم.ا.س أو الم.ا.س.ا.
دورة الاستجابة الجنسية:
ترجع الكتابات العلمية الحديثة الفضل في تفهم دورة الاستجابة الجنسية Sexual Response Cycle إلى أبحاث وليام ماسترز وفيرجينيا جونسون (Masters and Johnson) في أمريكا والتي نشرت بدءًا من سنة 1966 في مجموعة كتب تعد مرجعًا كلاسيكيًا للعاملين في هذا الحقل، وقد تطور وصف المراحل بعد وصفهما الأول لها، وسنعرض المراحل في تقسيمها المعتمد الآن علميا متبعين كل مرحلة بما يمكن أن نراه فيها من آثار جانبية لعقاقير الم.ا.س أو الم.ا.س.ا، والمعتمد علميا الآن هو أن دورة الاستجابة الجنسية الطبيعية تمر بأربعة مراحل هي:
1- مرحلة الرغبة أو الشهية الجنسية،
2- مرحلة الإثارة.
3- مرحلة الإرجاز.
4- مرحلة الاسترخاء.
أولا: مرحلة الرغبة Desire أو الشهية الجنسية: وتعني ببساطة أن يشعر الشخص بالرغبة في ممارسة الجنس وأن يجد لديه تخيلات معينة تثيره، ومن أشهر الآثار الجانبيةِ المستمرة وبعيدة الظهور خلال استخدام الم.ا.س.ا فقدان الشهية للجنس، وقد تبين لي من خلال خبرتي العملية أن سؤال الرجال والنساء من المرضى المستخدمين لتلك العقاقير مباشرة يظهر أنهم يعانون من هذه المشكلة تقريبا بنفس المعدل وإن كان الرجال أكثر شكوى وأكثر استعدادا بالطبع للشكوى، وقد وجدت في الأدبيات الطبية ما يؤيد ذلك أيضًا (Ashton et al., 1997).
والتفسير العلمي الحالي لذلك هو أن تثبيط استرجاع السيروتونين يؤدي إلى زيادة تركيزه في المخ وزيادته في مناطق معينة تؤدي إلى تثبيط نشاط الدوبامين ونقصه بالتالي ويؤدي ذلك إلى تقليل الحافز والرغبة للأنشطة الممتعة ومنها الجنس كما يؤدي إلى زيادة مستوى هرمون البرولاكتين وهو نفس ما ينتج عند استخدام مضادات الدوبامين كالعقاقير المضادة للذهان (Zajecka ,2001)، وقد بينت بعض الدراسات حدوث فقدان الشهية الجنسية أو نقصها في 1.6% من مستخدمي عقار الفلوكستين، وفي 3.3% من مستخدمي الباروكستين وذلك مقارنة بالمموه Placebo (العقار الزائف) (Preskorn,1995).
وأما ما لاحظناه مع بعض المرضى والمريضات وقرأنا عنه بعض تواريخ الحالات المنشورة في الدوريات الطبنفسية، فكان عن تأثير آخر هو انفلات الرغبة الجنسية بحيث ينشغل المريض أو المريضة بالجنس بصورة زائدة عما اعتاده وقد يصل الأمر إلى من يشتكي أو تشتكي من زيادة مرعبة في الشهية أو الرغبة الجنسية، وأحيانا الوقوع في السلوك الجنسي غير المنضبط، والتفسير المقدم لذلك هو احتمال أن يكونَ ذلك الانفلات الجنسي جزءًا من نوبة هوسية قد يظهر وحده أو قد تكتمل صورة نوبة الهوس، ولكن ما لمسته بنفسي هو أنها شيء مختلف وخاص فعلا بتأثير غير مفهوم الآلية على الرغبة الجنسية.
ومهم في النهاية أن أكرر لأذكر أن الهدف من هذه السلسلة من المقالات عن الم.ا.س.ا ليس أن نأخذ موقفا منها كأطباء نفسيين، فأنا أكثر الأطباء النفسيين استخداما لها لأنني ربما من أكثر من يتعاملون ويساعدون مرضى اضطرابات نطاق الوسواس القهري، وإنما أرى من الأمانة أن يكونَ واصف العقار على دراية كاملة بما يحتمل حدوثه مع مريضه أو مريضته، وليس من الصحيح ولا الجائز في رأينا أن يكتبها غير الطبيب النفسي (وإن كان واقعنا في معظم بلداننا العربية مع الأسف يسمح لأي طبيب بل وأي صيدلي أحيانا بوصف عقاقير الم.ا.س والم.ا.س.ا، وهذا طبعا ما أحب على قلب شركات الدواء منه)، وددت أن أبلغ الجميع بضرورة أن نلم بكل جديد وقديم عن ما نصفه لمرضانا ونحن مسؤولون أمام الله، يوم السؤال، وتابعوا معنا أجزاء المقال.
المراجع:
1. Monteiro WO, Noshirvani HF, Marks IM, et al. Anorgasmia from clomipramine in obsessive-compulsive disorder: a controlled trial. British Journal of Psychiatry 1987, 151:107-112.
2.Baldwin, D. S., Thomas, S. C. & Birtwistle, J. (1997) Effects of antidepressant drugs on sexual function. International Journal of Psychiatry in Clinical Practice, 1, 47–58.
3. Ashton, A.K., Hamer, R., & Rosen, R.C. (1997). Serotonin reuptake inhibitor-induced sexual dysfunction and its treatment: A large-scale retrospective study of 596 psychiatric outpatients. Journal of Sex and Marital Therapy, 23(3), 165-175.
4. Zajecka J (2001): Strategies for the treatment of antidepressant-related sexual dysfunction. Journal of Clinical Psychiatry 2001, 62:35-43
5. Preskorn SH,(1995) Comparison of the tolerability of bupropion, fluoxetine, imipramine, nefazodone, paroxetine, sertraline and venlafaxine. J Clin Psychiatry. 1995;56(suppl 6):12-21
ويتبع: ............حكاية الم.ا.س والم.ا.س.ا : الآثار الجنسية(2)
اقرأ أيضاً:
ما هيَ الم.ا.س.ا؟ / حكاية الم.ا.س والم.ا.س.ا؟ الآثار الجانبية / حكاية الم.ا.س والم.ا.س.ا؟ ضد الاكتئاب والوسوسة