إدمان الشراء مرض أم عرض أم رد فعل؟؟3
ليست هناك حتى الآن طريقة محددة أو واحدة لعلاج الشراء القهري أو إدمان الشراء، ومُعظم ما وُصِفَ من طرقِ علاج إنما يَعْكسُ التوجهَ النظريَ للمعالج النفساني أو الطبيب النفساني الذي يصف. وهناك عِدّة دراسات حالة بخصوص المعالجة النفسية بالتحليل النفسي Psychoanalytic Psychotherapy لحالات الشراء القهري أو هوس الشراء (Krueger, 1988)، وكلها تركز على أهمية خبرات الطفولة كسبب مفترض للحالة المرضية، وتبدو تفاصيل تلك الدراسات غالبا غير صالحة للتعميم، ولعل أوائل مفاهيم المحاولات الحديثة للعلاج كانت قدِ ارتُجِلَت في مجموعات الدعم الذاتي الأولية للمرضى مثل جمعية المدمن المجهول Debtor’s Anonymous (على غرار جمعية مدمني الخمور المجهولين Alcoholics Anonymous) بهدف المساعدة على السيطرة على سلوك شراء الأعضاء، وهناك الآن عدة برامج علاجية معرفية سلوكية متنافسة منها ما يطبق فرديا ومنها ما يطبق في إطار علاج جمعي ولكنها من ناحية المحتوى ليست الأنسب لثقافتنا، وهناك كذلك في الدول الغربية مجموعات دعم ذاتي وكتب في صورة دليل مساعدة ذاتي Self-Help Books ... إلخ، وينطبق عليها نفس مبدأ عدم الصلاحية لنا، وهناك كذلك محاولات علاج بعقاقير عدة ولكن نتائجها العلاجية غير مشجعة أو على الأقل متضاربة، في غير حالة التواكب المرضي بين الشراء القهري واضطراب آخر كالاكتئاب أو الوسواس أو الاضطراب الثناقطبي فلا ينتظر أن يتحسن غير هؤلاء على العقاقير.
العلاج السلوكي المعرفي:
حديثا برزت عدة تصورات معرفية سلوكية عن آلية حدوث هذا الانفلات (الاندفاعية Impulsivity) أو القهرية Compulsivity في سلوك المستهلك، ووضعت على أساس تلك التصورات تطبيقات معرفية سلوكية Cognitive-Behavioral Models لعلاج مرضى الشراء القهري وكانت إرهاصاتُ كثير من مفاهيمها وحيلها السلوكية قد تبلورت أو بالأحرى ارتجلت في مجموعات الدعم الذاتي الأولية للمرضى مثل جمعية المدمن المجهول Debtor’s Anonymous، وهناك برامج سلوكية معرفية أخرى كذلك، فعلى سبيل المثال هناك من المعالجين النفسانيين من أكدَ أن التعرض مع منع الاستجابة Exposure and Response Prevention يساعد في تقليل سلوك الشراء القهري (Lejoyeux et al., 1996) بل وهناك من كتب عن حالتي شراء قهري مواكب Comorbid لاضطراب هلع واضطراب رهاب الساحة Agoraphobia وأن الاضطرابيين الأخيرين تحسنتا باستخدام عقَّار الم.ا.س (كلوميبرامين Clomipramine) لكن اضطراب الشراء القهري لم يتحسن، بينما تحسنت أعرض الشراء القهري بعد جلسات علاج سلوكي يومية لمدة من ثلاثة لأربعة (3 - 4) أسابيع تضمنت تلك الجلسات التعرض لمثيرات أو مشعرات الشراء ثم منع استجابة الشراء القهرية (Cue Exposure and Response Prevention ) (Bernik et al., 1996 ) إلا أن العلاج السلوكي المعرفي الفردي يحقق نجاحا أقل من نجاح برامج العلاج الجمعية المعرفية السلوكية Group Cognitive-Behavioral Models ، والتي تعطي حسب نتائج دراسة حديثة تحسنا يستمر ستة أشهر بعد العلاج (Mitchell et al., 2006)، ويبدو أن التطبيق على المجموعات يعطي نتائج أفضل بفضل عوامل علاجية عدة في هذا النوع من العلاج، وهو بالطبع سيتيح فرصةً لعددٍ أكبر من مرضى الشراء القهري لتلقي العلاج، إلا أن المحتوى المتاح حاليا لهذه البرامج مع الأسف غير مناسب لثقافتنا وإن كانت أطر تلك البرامج صالحة كأطر عامة، وهذه دعوة للعمل!
العلاج بالعقَّاقير:
اقترنت أوائل حالات الشراء القهري الموصوفة في أدبيات الموضوع العلمية بأن ذلك الاضطراب يستجيب للعلاج بالم.ا.س.ا (McElroy, et al., 1991) وأوحى ذلك للبعض بافتراض علاقتها بالاكتئاب وأن تحسن أعراض الاكتئاب يؤدي إلى ضبط سلوك الشراء القهري، كما رآه البعض دليلا على علاقة الشراء القهري بالوسواس القهري وباضطرابات العادات والنزوات، كما أن الاستجابة للعقَّاقير التي تزيد من وجود السيروتونين في المشابك العصبية أعطت الوجاهة لنظريات تربط الاضطراب بخلل أو تغير ما في ذلك الناقل العصبي.
إلا أن تضاربا كبيرا تلا تلك النتائج الأولى أظهرته الدراسات خاصة (المحكومة بالحَجْبِ المزدوج للمُمَوّه -العقار الزائف- Double Blind Placebo Controlled Study)، بل ظهر في إحدى الدراسات (Black et al., 2000) استجابة للعقّار المُمَوّه Placebo تفوق الاستجابة لعقَّار الفلوفوكسامين (Fluvoxamine 64% للمموه مقابل 50% للفلوفوكسامين)!، وفي دراسة حديثة سجل كوران (Koran, 2005) عدم استجابة سلوك الشراء القهري لعقَّار الإيستالوبرام Escitalopram رغم أنه شخصيا كان قد سجل استجابة جيدة لعقار السيتالوبرام (Citalopram (Koran et al., 2003 والذي يعتبر الإيستالوبرام تطويرا له كما يقول مصنعوه، ويصفون العقَّار المطور بأنه أقوى بمراحل من عقار السيتالوبرام، ولا شك أن مثل هذه النتائج خاصة مع ارتفاع نسبة الاستجابة للعقَّار المموه (الخامل) وتضارب نتائج الدراسات السابقة تلقي ظلالا من الشك في نوعية الاستجابة وعلاقة أعراض الشراء القهري أصلا بالاضطرابات النفسية الأخرى -المواكبة غالبا- وإن كنا ما نزال بحاجة لدراسات أدق ومتابعة زمنية أطول للحالات قبل الوصول إلى قول فصل في أثر عقاقير الم.ا.س.ا على سلوك الشراء القهري.
كذلك أظهرت نتائج دراستين هداني بحثي لهما (Kim, 1998) و(Grant, 2003) استجابة طيبة لاضطراب الشراء القهري للعلاج باستخدام عقَّار النالتريكسون Naltrexone وهو أحد مضادات الأفيون Opiate Antagonists وهو ما يرى فيه البعض دليلا على دور لمستقبلات الأفيون Opiate Receptors في الشراء القهري، وربما يمتد الدور لتلك المستقبلات وكذلك للناقل العصبي الدوبامين Dopamine كمسئول عن حالة الاعتماد النفسي على المكافأة Reward Dependence ليصبح هذا الدور دور تهيئة لاستعداد تكويني للإدمان السلوكي بشكل عام.
وهناك بالتأكيد تحسن يحدث في حالات الشراء القهري المواكب لاضطراب نفسي آخر استجابة لعلاج ذلك الاضطراب، وبالتالي فإن وجود شراء قهري مواكبا لاضطراب اكتئاب كثيرا ما يتحسن باستخدام عقَّار لعلاج الاكتئاب (لا يشترط هنا أن يكون من مجموعة الم.ا.س.ا) كذلك يمكن لمثبتات المزاج Mood Stabilizer أن تحسن سلوك الشراء القهري في مرضى الاضطراب الثناقطبي، لكن في غير أصحاب الاضطرابات النفسية المواكبة للشراء القهري -والتي تشخص على المحور التشخيصي الأول- (وهم قلة إن وجدوا) ولأصحاب التواكب المرضي مع اضطرابات سمات الشخصية نقول للمريض أن من الصعب أن يعتمد على عقَّار ليغير سلوكه الشرائي.
المراجع:
Krueger DW.(1988): On compulsive shopping and spending: a psychodynamic inquiry. Am J Psychother. 1988;42(4):574-84.
Bernik MA, Akerman D, Amaral JA, Braun RC.(1996): Cue exposure in compulsive buying. J Clin Psychiatry. 1996;57(2):90.
Lejoyeux M, Ades J, Tassain V, Solomon J.(1996): Phenomenology and psychopathology of uncontrolled buying. Am J Psychiatry. 1996;153(12):1524-9.
Mitchell JE, Burgard M, Faber R, Crosby RD, de Zwaan M. (2006): Cognitive behavioral therapy for compulsive buying disorder. Behav Res Ther. 2006;44(12):1859-65
McElroy SL, Sakin A, Pope HG Jr. (1991): Treatment of compulsive shopping with antidepressants: a report of three cases. Ann Clin Psychiatry. 1991;3:199-204.
Black DW, Gabel J, Hansen J, Schlosser S. (2000): A double-blind comparison o fluvoxamine versus placebo in the treatment of compulsive buying disorders. Ann Clin Psychiatry. 2000;12(4):205-11.
Koran LM. (2005): Escitalopram treatment evaluated in patients with compulsive shopping disorder. Primary Psychiatry. 2005;12:13.
Koran LM, Chuang HW, Bullock KD, Smith SC. (2003): Citalopram for compulsive shopping disorder: an open-label study followed by a double-blind discontinuation. J Clin Psychiatry. 2003;64(7):793-8.
Kim SW. (1998): Opioid antagonists in the treatment of impulse-control disorders. J Clin Psychiatry. 1998;59:159–164.
Grant JE. (2003): Three cases of compulsive buying treated with naltrexone. Int J Psychiatry Clin Pract. 2003;7:223–225.
ويتبع................................: الشراء القهري هل من علاج يناسبنا؟
واقرأ أيضًا:
التخزين والحرص المرضي في الموسوسين/ التخزين والبخل/الشح من منظور إسلامي