تحذير للجميع من مؤتمر (بوش) للتطبيع، ودعوة لمؤتمر مضاد
لم يكن، ولن يكون، شيءٌ أعظم أهميّة لدى الكيان الصهيوني من إنفاذ مشروع التطبيع، ولن يرتاح الصهاينة قبل أن يروْا هذا الحلم ـولن يتحقق بإذن الله تعالىـ واقعاً، وقبل أن يشهدوا أعلام كيانهم المسخ المغتصب تُرفرف في جميع العواصم العربية، وفي المحافل التي تجمع دول المنطقة مع الكيان الصهيوني تحت أسم جديد، ليس هو الجامعة العربية تلك البائسة أصلاً، بل قل (شرق أوسط أمريكي جديد)، أو أيّ عنوان آخر، فاقد للهويّة، منسلخ من الانتماء.
والتطبيع يعني بكلّ وضوح، منح الصهاينـة صك براءة لأكبر جريمـة سـطوٍ منظّمٍ في التاريخ؛ وهو اغتصاب أرض فلسـطين المدعوم غربيّاً، وتَبخُّر كلّ الجرائم المهولـة التي اقترفها الصهاينـة عبر عقود بالشـعب الفلسـطيني، وتزوير الوعي، وتزييف التاريخ، ومحو فلسـطين منـه، ومن الجغرافيا.
وأخطر من ذلك، إلغاء مسـتقبلي لأيّ حقّ في اسـترداد ما سُـلب من الأمّـة، بل.. جعلـهريمـة عدوان، ومرتكبها مسـتحقّ لأعظم النكال، لا من الكيان الصهيوني، بل من الدول العربيـة نفسـها التي سـتنصّ قوانينهـا، وتدعم مناهجها، على أنّ الكيان الصهيوني "دولـة صديقـة" ممثّلـة بسـفارة ـ كما تفعل اليوم الدول المطبّعـة ـ وحينئذٍ فإنّ المسـاس بها عدوان، بل تهديدها باللسـان، ظُلمٌ، وطغيان!
وسيتمّ توزيع تعميمات حتّى على خطباء الجمعة بالحذر من المساس بدولة الصهاينة "الصديقة"، مشفوعة بفتوى (وسطيّة)، من أصحاب الفضيلة الناضجين ذوي البصيرة، والحكمة، وبُعد النظر، الذين لا يزجُّون بشباب الأمّة في الفتن!
ملحق بها كُتيّب عن (فقه النوازل، والنظر في المصالح) لمثقفي الشريعة (الوسطية)، معه دعوة لحضور مؤتمر عن (خطر التطرف على أمّة تحت الاحتلال)!! في فندق (سداسي النجوم)، و(شيك) تقديراً لجهودهم في خدمة الإسلام الوسطي! وكُتيّب آخر عن (وجوب طاعة ولي الأمر)، وهذا للغوغاء والدهماء!
هذا كلّه، أخطر ما يشتمل عليه التطبيع، وبلا ريب مؤتمر (بوش) الذي يتجه إليه. ثمّ.. قبل ذلك كلّه، وأخطر من ذلك كلّه، ما يشتمل عليه من نقض عقيدة الأمّة، وتقويض وحدتها، وطمس كيانها، والعبث بثقافتها.
ولا يرتاب أيّ مراقب للمشـهد السـياسـي العام حولنا، في أنّ أحد أكبر أهداف السـياسـة الأمريكيـة هو التمهيد لتحقيق هذا الحلم الصهيوني؛ أعني جعل الكيان الصهيوني في "وضع طبيعي" في المنطقـة، يقوم جيرانه العرب بأعباء حمايته رسـميا وبصفـة دائمـة بعد أن يجعلوا شـعوبهم تؤمن بأن حمايـة الصهاينـة واجبهم أيضاً.
فكان إعلان ما يُسمّى بالحرب العالمية على الإرهاب، إثر تحوّل العالم إلى القطبيّة الواحدة، في إطار زخم إعلامي عالمي، يضخّ التخويف من "الشذوذ" عن (المجتمع الدولي) وما هو سوى دوائر السياسة الغربيّة المتحالفة مع الصهاينة، وعن (المنظومة الدولية)، وما هي سوى أداة بيد تلك الدوائر، وينشر قوائم "الإرهابيين"، وما هي سـوى أسـماء المعارضين للهيمنـة الصهيوغربيـة.
كان هذا الإعلان، في الدرجة الأولى، لنظم جميع الدول العربية، في منظومة أمنيّة واحدة، تجعل على سلم أولياتها تحقيق هذا الهدف، إذ كانت الحركة الجهادية داخل فلسطين وخارجها، أخطر ما يواجه مشروع التطبيع.
وغير خافٍ ما تحقق تحت ذريعة خطر الإرهاب، من أكبر حملة منظّمة لإسكات الصوت الإسلامي المعارض للتطبيع، بإيداع الرموز في السجون، وترهيب من هم خارجها، ومحاصرتهم، وإشغال من تبقّى بتخليص أنفسهم من الملاحقة بتهمة الإرهاب، أو بإغراق أوقاتهم في محاربته لإرضاء السلطات العميلة، ونيل المكاسب والمناصب، وهم يحسبون أنهم يُحسنون صُنعاً. ولا أدلّ على هذا أنّّه لا تجرُؤ حتى المنابر الإسلامية العامة على المساس بدعوة (بوش) إلى المؤتمر المزعوم حول السلام، والذي يرمي إلى تحقيق التطبيع مع الصهاينة في آخر مطافه، كما صمتت غالب الأصوات الإسلامية، حتى عن التنديد بانجرار الزعامات العربية لتلك الدعوة، انجرار الأذلاّء العبيد، لمن يوثقهم بأغلال الحديد. كما كان من أعظم دوافع احتلال العراق، ثم تدميره، بعد حصاره القاتل، هو تحقيق هذا الهدف.
هذا،، وليس العجب هنا، من كيد اليهود وأولياءهم، فهذا هو ما يُحسنونه وجه الدهر، بل العجب من كل هذه النجاحات الصهيونية منذ (كامب ديفيد)، رغم أنهم لم يُعطوا شيئاً البتة، بل إنه دائماً يحدث الضد تماماً!!
فنحن الآن بعد 28 سنة من (كامب ديفيد)، و16 سنة من مؤتمر مدريد، و13 سنة من توقيع اتفاقيات أوسلو، فماذا جنينا من الصهاينة: لا شـيء سـوى المزيد من قتل الفلسطينيين، ودسّ العملاء بينهم، وبثّ الفتن، والتهام الأراضي، وإزالة البيوت، والاعتقال للرجال، والنسـاء، وأحيانا مع الرضَّع، والتعذيب البشـع للسـجناء، وتحويلهم إلى أجسـاد للتجارب، وإغلاق وعزل المناطق الفلسـطينيـة، وتجويع الشـعب، ومحاصرتـه، وابتزازه في رزقـه، وتطويق القدس، وطمـس معالمها الإسـلاميـة، والعمل الدوؤب على تهويدها.
وكان آخر ما جنوْا هم إعلان حكومة عباس إسقاط المقاومة، مقابل إطلاق سجناء ليقوموا بدور الصهاينة في التصدّي للمجاهدين، وإطلاق أموال يرشون بها من اتهموا بفساد الذمّة، وخيانة الأمّة. ولا ريب أن أشدّ الناس غباءً، قد غدا اليوم يفهم الخديعة اليهودية في شأن القضية الفلسطينية، فهي لم تزل لعبة مكوّنة من مسارين:
أحدهما: إلهاء الطرف الآخر بوهم السـلام، ليتفرغ الصهاينـة لتمرير أمنهم على حسـاب دماء الشـعب الفلسـطيني، وحقوقـه.
الثاني: إطلاق بالونات مكرورة لمبادرات جديدة، بين الفينـة والأخرى، يعرض فيها الصهاينـة الرجوع إلى آخر نقطـة حصلوا فيها على أكبر مكاسـب، مقابل التطبيع، بمعنى آخر لا يُعطون شـيئاً، ويأخذون كلّ شـيء.
وأقرب مثال هو ما يُفهم من زيارة وزيري خارجية مصر والأردن قبل أسبوع للكيان، تحت ذريعة تسويق مبادرة السلام العربية التي تنتهي إلى تطبيع العلاقات مع الصهاينة مقابل انسحاب، فلم يعد المطلب سوى إعادة الوضع إلى ما قبل أوسلو، لينال الصهاينة ما يشتهون!
ثمّ زاد المسار الثالث الأخطر، وهو تكوين سلطة فلسطينية، تقبل ما عجز، أو ما أحجم عنه عرفات فدفع حياته بسبب ذلك بالسمّ، سلطة تضع المقاومة الفلسطينية في خانة "الإرهاب"، وتقف صفاً واحداً مع الحملة الصهيوغربية ضدّها، وتستهلك الشعب الفلسطيني في اقتتال داخلي. وبعـــد،،
فرغم يقيننا أن هذا الكيد على أمّتنا، سـيرجع بالخسـران المبين، ويعود على كائديـه بالسـوء. غير أنّـه قد آن الأوان لصيحـة مدويّـة يُطلقها العلماء، والدعاة، والمفكرون، في مؤتمر عام، ليـس ضد مؤتمر (بوش) لخيانـة أمتنا فحسـب، بل ضدّ كلّ المؤامرات الصهيوغربيـة التي غدت تبيض وتفرّخ في بلادنا كلّ يوم. ويُدْعى فيـه إلى وقف هذه الهرولـة إلى الهاويـة، تحت التأثير الزائف لزعيق التخويف من الإرهاب. وإلى ضربـة على الرأس ترفع هذه الغفلـة عن الحالـة الشـعبيـة العامّـة في أمّتنا. وإلى إعادة الأمّـة إلى وعيها، وجهادها إلى مسـاره، وإلى دعم مقاومـة العدوان على أمّتنا، والشـدّ على يد كلّ المجاهدين الشـرفاء الذين وقفوا بشـموخ في زمن الهزائم النفسـيـة يُدافعون عن عزّة الأمّـة. ويجب أنّ يتزامن مع مؤتمر (بوش) في أيلول/سبتمبر القادم.
والله المستعان، وهو حسبُنا ونِعم الوكيل، نِعم المولى ونِعم النصير.
واقرأ أيضاً:
إعصار التغيير قادم!!! / مراحل الخداع: وهكذا خدعنا وما نزال