سيظل الرقم 44 محفوراً في أذهان الأمريكيين والعالم.. فهو الرئيس الأمريكي رقم 44 "حسين أوباما" الأسود ذو الجذور الإسلامية –الأفريقية الذي اكتسح انتخابات الرئاسة في أمريكا ليصبح أول رئيس- من أصل أفريقي وأبوه مسلم - ينجح في إنهاء حقبة طويلة من الفصل العنصري في أمريكا وأصغر رئيس شاب في تاريخ أمريكا يلهب حماس الشباب الذين صوت 67% منهم، ويفوز بأموال الفقراء الذين مولوه بمبالغ صغيرة بلغت حصيلتها650 مليون دولار ولم يعد بذلك أسير لوبي شركات المال وضغوطه المختلفة.
فاز أوباما –وهو اسم أفريقي سواحلي كيني يعني (مبارك)– لأن الأمريكيين سئموا وملوا من سياسات الرئيس الأمريكي الحالي بوش الفاشلة وسياسات المحافظين الجدد المتطرفين الذين أغرقوا بلادهم في حالة حروب متعددة، وعداء مع كل دول العالم شرقا وغرباً شمالاً وجنوباً، فجاء تصويت الناخبين لأوباما ولحزبه الديمقراطي في كثير من الأحيان بمثابة رفض ودفن لسياسات هؤلاء المتطرفين الفاشلة التي زادت كراهية أمريكا في العالم.
فاز أوباما –صاحب شعار التغيير– باكتساح (349 صوتاً مقابل 162 لماكين فقط)، وفاز معه حزبه الديمقراطي علي الجمهوري بالأغلبية في مجلس النواب (235 مقابل 199) ومجلس الشيوخ (56 مقعداً مقابل 40) ليصبح للديمقراطيين سيطرة كاملة على الرئاسة والكونجرس بعدما أفلس بوش وحزب الشعب الأمريكي بسبب مغامراته العسكرية وأفلس بنوكها فأسقطهم الشعب الأمريكي في الانتخابات.
فاز أوباما لأنه نجح في استغلال غضب الأمريكيين علي بوش وسياساته، ونجح لأنه أدار معركة انتخابية جديدة من نوعها تعتمد على التقنيات الحديثة وخصوصاً الإنترنت والملايين من شباب الإنترنت، ولأن الأمريكيين يريدون رئيساً يهتم بأحوالهم الداخلية وينفق الضرائب عليهم لا على مغامراته الخارجية.
ماذا يعني فوز أوباما؟ وما هو تأثير فوزه علي قضايانا العربية.. يجب أن يكون هو سؤالنا الأهم الآن بعدما ذهبت السكرة وجاءت الفكرة.
ففوزه قد يعني أن أمريكا ستركز أكثر مستقبلاً على مشاكلها الداخلية، وستقلل من مغامراتها العسكرية، وفوزه يعني أن أمريكا ستلجأ أكثر –كما قالت سوزان رايس مستشارة أوباما ووزيرة خارجيته المحتملة– للجزرة وليس العصا!.
ولكن فوزه لن يعني أن أمريكا ستكون أكثر عدلاً وأكثر حباً للعرب والمسلمين، فقد يحدث العكس.. فلأن أوباما علي رأسه (بطحة) هي جذوره الإسلامية والأفريقية التي جعلت اليمين المتطرف في أمريكا يتهمه بأنه مسلم متخفٍ وأنه "إرهابي عربي"، قد تجعله يسعى لإثبات العكس عبر مزيد من الدعم للدولة الصهيونية.
ويزيد من هذه المخاوف أنه قليل الخبرة ونائبه (جو بايدن) قد يتولى عنه هذا الملف أو يحركه ، والخطورة هنا أن (بايدن) هذا يقول عن نفسه أنه (صهيوني) وأن أمن (إسرائيل) سيظل خطاً أحمر لإدارة أوباما المقبلة، كما أنه صاحب نظرية تقسيم العراق لثلاثة أقاليم شيعية وسنية وكردية!.
ثم إن تعيينات أوباما جاءت مخيبة للآمال عندما كان أولها هو "إيمانويل رام" في منصب "المدير العام لموظفي البيت الأبيض"، وهو ليس يهودي الديانة فحسب، بل إسرائيلي حتى النخاع، بما في ذلك مشاركته في الخدمة المدنية في الجيش الإسرائيلي أثناء حرب الخليج (1991م) رغم أن وطنه الرسمي هو الولايات المتحدة الأمريكية، وهذا غير (ديفيد إكسلرود) الذي قاد حملته الانتخابية، وهو من اليهود الشرقيين المهاجرين إلى أمريكا في طفولته، ومن أشهر من عمل زمناً طويلاً بهدف إقامة "تحالف" بين اليهود والسود في الولايات المتحدة الأمريكية.
والمسألة التي لا يجب أن تغيب عن أذهاننا أن كون أوباما أسود ومن الأقليات لا يعني أنه سيكون معادياً (لإسرائيل) بل على العكس سيكون معادياً أكثر للعرب، لأن ما بين السود واليهود في أمريكا أكبر مما بين السود والمسلمين.
ولا يجب أن ننسى أنه مثلما هناك يمين محافظ متطرف في الحزب الجمهوري هناك يمين متطرف في الحزب الديمقراطي، ومنهم من دعم الحرب على العراق ويطالب بها ضد إيران، وأنه في ظل حكم الديمقراطيين تم ضرب السودان (مصنع الشفاء) بالطائرات الأمريكية، وحصار الرئيس الفلسطيني عرفات!.
ومع هذا فدلالات فوز أوباما عبر جهود شباب الإنترنت الأمريكيين سيكون لها أثار مباشرة على شباب الإنترنت العرب الذين يقودون بدورهم حملة للتغيير عبر الوسائل التكنولوجية الحديثة (الإنترنت – الموبيل – اليوتيوب) خصوصاً في ظل سيطرة الحكومات على وسائل الإعلام الرسمية، دون أن نتوقع أدنى ضغوط أمريكية على الدول العربية من أجل الديمقراطية، فهذه سياسة أمريكية عامة لا علاقة لها ببوش أو أوباما وترتبط فقط بالمصالح الأمريكية.
نعم فوز أوباما يعد بمثابة ثورة أمريكية جديدة، وسيكون له انعكاسات ثقافية وسياسية واقتصادية على العالم ككل، ولكن الأهم بالنسبة لنا هو السؤال: هل لنا ناقة أو جمل في هذه الانتخابات؟ وماذا نستفيد نحن في العالم العربي والإسلامي منها؟ ونتأثر بها؟
أوباما فاز لأن له هدف محدد هو التغيير داخل أمريكا وليس خارجها، بمعنى أن الهدف هو نجدة وإنقاذ الاقتصاد الأمريكي المنهار وما عدا ذلك لا يعدو أن يكون هدف غير مباشر.
وسعيه المتوقع للتدخل في قضايا المنطقة العربية سيكون متصلاً بهذا الهدف الأكبر وهو تحقيق انتعاش أمريكي داخلي.. فالانسحاب السريع من العراق أو أفغانستان يستهدف تقليل نفقات الحرب التي أرهقت الاقتصاد، والتعامل مع قضايا مثل فلسطين سيكون بقدر تهديدها لـ "أمن إسرائيل" الذي تعهَّد به هو ونائبه ليس أكثر!.
بل إن هناك توقعات متشائمة من واقع تصريحات أوباما الأولى أنه سينتهج نفس النهج الأمريكي تجاه حركات المقاومة الفلسطينية وحزب الله، التي وصفها بأنها صنيعة دعم إيران!؟.
لا تفرحوا كثيراً لمجيء أوباما فهو على رأسه بطحة هي معايرة الأمريكيين له بأنه ذا جذور مسلمة وعربي وإرهابي، وعندما كان يخطب أو يقف في مناظرات مع منافسه ماكين كان الجمهور اليميني المتطرف يتهمه –لاحظ التهمة– بأنه "مسلم" أو "عربي" وكان ماكين يدافع عنه ويقول:"لا.. إنه رجل محترم"،وكأن كلمة مسلم أو عربي هي عكس كلمة محترم!؟.
ومن على رأسه هذه البطحة ويسعى للابتعاد عن العرب والمسلمين لينفي عن نفسه تهمة أنه مسلم أو ينتمي لهذا الدين عن طريق والده،لا يستبعد منه أن يكون أكثر انحيازاً ضد العرب والمسلمين ومن ثم موالياً (لإسرائيل) بصورة كبيرة.
وبالطبع يزيد من هذه الموالاة المرتقبة منه للصهاينة إحاطة نفسه بمجموعة من الصهاينة الذين يشكلون سياسته سواء كان نائبه، أو مدير موظفي البيت الأبيض أو باقي الشلة الذين ينتظر أن يعينهم قريباً.
لا يجب بالتالي أن نتوقع من أوباما الكثير.. فهو لن يتحرك تجاه حل القضية ما لم يظهر جديد علي الساحة العربية نفسها يدفعه للتحرك، ما يفرض تحديات على القوى الفلسطينية نفسها للوحدة، ويفرض تحديات أكبر على قوى المقاومة.. فمقابل توقعات أن تعمد المقاومة للتصعيد طالما أنه لا أمل في التغيير إلا بالقوة، هناك بالمقابل قوى فلسطينية وعربية تكاد تضع بيضها كله في السلة الأمريكية والإسرائيلية أحيانا.. وتحدي أولي القربى أشد وأخطر!
نقلاً عن صحيفة فلسطين