في فيلم رسالة إلى الوالي" يدخل" برقوق بطل الفيلم" والذي يجسده الممثل عادل إمام– إلى مستشفى الأمراض العقلية وذلك لعدم تصديقهم أنه قادم من زمن آخر وفي مشهد مروع يقوم الطبيب النفسي– الممثل سعيد عبد الغني والذي تظهره الملابس والماكياج في صورة أقرب للشيطان حيث تحيط الهالات السوداء بعينيه ويلبس عباءة سوداء كالوطواط في أفلام الرعب ليقوم بتعذيب البطل– المفترض أنه مريض عنده– ليقوم باستخدام الكهرباء وليكون المشهد عبارة عن تكتيف البطل في سرير الكشف ليتم صعقه باستخدام تيار الفولت العالي كما تظهر سكينة الكهرباء الضخمة (مفتاح الكهرباء) والتي تستخدم في التحكم في الكهرباء في الوحدات الكبيرة كالمصانع ومحطات الكهرباء ولتركز الكاميرات على علامات الألم على وجه البطل المسكين وعلامات النشوة والانتصار على وجه الطبيب المتوحش،
وليتكرر هذا المشهد عدة مرات في الفيلم دون أي داع درامي حسب لغة أهل السينما وليثبت في وعي المشاهد أن الأطباء النفسيين المجرمين يضربون مرضاهم بالكهرباء... وحتى لا تضيع الصورة من ذهن المشاهد أو تمر مرورا عابرا تأتي نهاية الفيلم لتؤكد أن المخرج والمؤلف يفعلان ذلك مع سبق الإصرار والترصد حيث تأتي النهاية السعيدة بأن ينتقم البطل ممن عذبه بالكهرباء بأن يلقيه على أسلاك الفولت العالي فيموت محترقا ومتفحما في مشهد يستمر عرضه عدة دقائق ليتشفى المشاهد من الطبيب الذي عذب بطله وليلقى الجزاء العادل لتعذيبه مريضه بالكهرباء...
بالطبع هذا ليس هو المشهد الأخير في الإساءة إلى الطبيب النفسي بصورة عامة وإلى استخدام الكهرباء في العلاج بصورة خاصة وبالتالي أصبح العلاج بالكهرباء هو أسوأ العلاجات سمعة ... ولا يكاد الطبيب ينطق به ناصحا المريض أو أهله إلا رأيت خليطا من علامات الشك والفزع... لماذا الكهرباء... إنها مؤلمة، هل الحالة خطيرة.... ألا يوجد علاج آخر؟!!
والغريب في الأمر أن الحقيقة العلمية في العلاج بالكهرباء على عكس الشائع تماما..... فالعلاج باستخدام الكهرباء والذي يتم من خلال جهاز خاص يقوم بتحويل الكهرباء إلى تيار مستمر بجهد ضعيف لا يتعدى 12 فولت وهو الجهد المطلوب لتشغيل جهاز كهربي صغير مثل الراديو مثلا باستخدام البطاريات.. هذا العلاج هو أكثر العلاجات أمنا في الطب النفسي وأكثرها فاعلية...
وهو بالمناسبة غير مؤلم فضلا على أن الجلسة تتم والمريض تحت تأثير المخدر وفي حضور طبيب التخدير والذي يكشف على المريض قبل إعطاء الجلسة للاطمئنان على حالته الصحية والذي يكون معه كل الأدوات للتعامل مع أي طارئ.... مع أنه في الحقيقة لا يوجد أي مانع طبي لإجراء الجلسة والموانع التي تؤدي إلى تأجيل الجلسة هي موانع عرضية مثل ارتفاع ضغط المريض أو جلطة حديثة بالقلب وبمجرد زوال السبب يستطيع المريض أخذ الجلسة...
ويستخدم العلاج بالكهرباء أساسا في علاج حالات الاكتئاب الشديدة والتي يمتنع فيها المريض نتيجة شدة الاكتئاب عن تعاطي العلاج ويمتنع تماما عن الطعام والشراب، ويحاول الانتحار... وهنا تصبح الكهرباء هي إنقاذ لحياة هذا المريض حيث أن حياته في خطر سواء بمحاولة الانتحار أو بالامتناع عن الطعام والشراب وحيث تحتاج الأدوية المضادة للاكتئاب بفرض قبوله لتعاطيها إلى أسبوعين لتظهر بعض التحسن في أنه في حالة الكهرباء تظهر نتائج التحسن بعد أول جلسة فيبدأ المريض في الأكل والشرب وتقل مقاومته للعلاج وليصل غلى التحسن في نهاية الجلسات والتي تصل في المتوسط لعدد 6 جلسات على مدار أسبوعين يتنقل فيها المريض من حال إلى حال مختلف تماما يعود فيه إلى حالته الطبيعية ليكمل مسيرة العلاج بالأدوية ولكن يعد أن تكون حياته قد أنقذت.
وتستخدم الكهرباء أيضا في الحالات التي لا تستجيب للعلاج الدوائي في حالات الفصام المزمن وأيضا في السيطرة على حالات الهياج الشديدة والتي يكون المريض فيها خطرا على نفسه والآخرين ولا تجدي الأدوية المهدئة في السيطرة عليه وأيضا في علاج الحوامل اللاتي تمرن بأزمات نفسية شديدة ويمثل العلاج الدوائي خطرا على أطفالهم وكذلك كبار السن ممن يعانون مشاكل صحية شديدة تؤثر على الأمن لهم...
والأثر الجانبي الوحيد للعلاج بالكهرباء هو حدوث نسيان مؤقت للأحداث قبل الجلسة مباشرة وتعود الذاكرة لطبيعتها بعد وقت قصير من الجلسة وتنتهي المشكلة تماما بانتهاء الجلسات وأكثر النظريات رجوحا في كيفية عمل الكهرباء للتأثير على الحالة العقلية للمريض هو أن هذه الصدمة الكهربائية الخفيفة تؤدي إلى إيقاف الإيقاع المضطرب للمخ ليعود للعمل بعد الجلسة في حالة طبيعية ولذا فغن التسمية الصحيحة للعلاج بالكهرباء هو إعادة تنظيم إيقاع المخ وليس العلاج بالصدمات الكهربائية.
واقرأ أيضا:
العلاج بالصدمات الكهربية إنما يدمر المخ