كتبت لي تسأل، أحبه، وظروفنا تحول دون الزواج، بحثت عن مخرج فقهي يسع حالتنا، ويحتوي ألم أشواقنا، وتدفقات عشقنا التي تحرمنا السكينة، فوجدت أن الإمام مالك يقول بجواز العقد دون إشهاد، وأن الإشهاد إنما يشترط عند الدخول، فلو أننا أخذنا بكلام الإمام مالك، وعقدنا دون شهود لكي نستطيع أن نكون سويًا بلا حرج شرعي، فهل هذا جائز، هل يقتضي العقد جواز مساحة من الحرية في التواصل العشقي دون البلوغ بها للممارسة الكاملة؟
ولم يتيسر لي كتابة رد عليها حينها، وشغلتني الأيام عن البحث، فإذا السؤال يقفز اليوم إلى ذهني ثانية بعد قراءتي لسطور أستاذي د. أحمد عبد الله في (حكايات أصحابي)..
القضية خطيرة فعلا، ولو صح هذا الفهم لمذهب الإمام مالك، فإنه سيكون في الأمر سعة لمن أحبوا حبًا طريقه مسدود لأجل ظروف أحد الطرفين أو كلاهما، إذن لا بد من التحري في فهم مذهب الإمام مالك في هذه القضية، فإن النقل دون تثبت من المسألة أمر كارثي إذ يغتر الناس بمثل هذا النقل دون النظر إلى كون صاحبه قاله في معرض التأمل فضلا عن كونه غير متخصص في الشريعة لكي يؤخذ عنه، وينسون أنهم لا يقبلون أخذ وصفة طبية عن عالم بالشريعة!
إذن، الصورة التي ذكرتها أختنا هي كالآتي، تزوج نفسها بدون شهود، ويرتبطان ارتباطًا يسمح لهما بكل شيء عدا الدخول. والصورة باطلة شرعًا لسببين:
السبب الأول: أن مذهب المالكية وإن كان يجيز العقد بدون شهود إلا أنه يشترط لذلك أن لا يكون بين الطرفين خلوة، فلا يباح بينهما شيء مما يباح بين الزوجين إلا بعد الإشهاد، بل قالوا أنه حتى لو وجد شهود عند العقد وأوصاهم الزوج بالكتمان، فإن العقد ينفسخ وهذا يسمى عندهم نكاح السر وهو باطل، وذكروا في تعريفه: أنه النكاح الذي يوصي فيه الزوج بمفرده أو الزوج مع الزوجة الجديدة الشهود بكتم النكاح عن الزوجة الأولى. وفي هذا النكاح تفصيلات لا مجال لذكرها، لكن الشاهد أن الكتمان حرام.
السبب الثاني: أن الجمع بين مذهبين متناقضين في مسألة واحدة باطل عند جمهور العلماء، وهو ما يسمى بالتلفيق، لأن كلا الإمامين لا يجيز هذا العقد لو عرض عليه. الإمام أبو حنيفة لا يجيزه لأنه بدون شهود، والإمام مالك لا يجيزه لأنه بدون ولي، فضلا عن أن العقد بلا شهود عند الإمام مالك لا يجيز للطرفين أي نوع من التواصل كتواصل الأزواج.
الشرع يسع الناس بما يغنيهم حسًا ومعنى، ويحفظ لهم رقي حياتهم، وموقفه من الحب المستحيل يصون هذا الحب عن الابتذال، والظلمة، لأن الحب مقترن بالمسؤولية المتبادلة بين الطرفين، والتي لا تكتمل إلا في النور والعلن، والسر ينال منها ذبذبة وانتقاصًا. والحب ممارسة اجتماعية مكتملة، هي أجل من أن تكون مشروعا سريا، يتخفى به المرء عن مجتمعه، ويعيش حالة من الفردية يغيب عنه فيها حق نفسه في إكرامها والاعتزاز بخياراتها.
ولعل تطبيق متكامل لأحكام الشرع في تحقيق منظومة حياتية ميسرة، سواء في الثقافة المجتمعية المتعلقة بتعزيز مفهوم المسؤولية إيجابا لدى الجنسين، أو المرتبطة برفض الزواج الثاني، أو في تقليل النمط الاستهلاكي في الحياة، وتيسير المهور ما يعين على رفع الضرر.
26/ 12/ 2005م
ويتبع >>>>: إنهم يريدون الرفقة لا الرفيق !
واقرأ أيضاً:
للنساء فقط .. في سطور / الحزن الحر
التعليق: أ/ صفية لدي سؤال في هذا الموضوع .
من المتعارف عليه أن الزواج العرفي حرام ويعتبر زنا
إذن كيف هذا ولابد من الطلاق لفسخ هذا الزواج؟
لابد من التوضيح الكامل والشامل لهذا الموضوع ومخاطبة عقول الشباب بطريقة أوضح وأبسط لأن الشباب يتجهون لهذه الطريقة لأنها الأسهل والأبسط فلابد أن نوجد أسلوب حوار يناسبهم ويتماشي مع تفكيرهم ونجد لهم ما يعوضهم عن هذه الحلول وتكون هذه الطريقة تتمتع بالبساطة والسهولة مثل أسلوبهم الذي اختاروه للزواج وقبل كل هذا يجب أن نعمل علي توعية الآباء بهذه الحلول وضرورة العمل بها،
طالما نريد تناول هذا الموضوع يجب أن نتناوله بشيء من الجد والبدء في خطو أي خطوات حقيقه ولا نكتفي بالكلام ثم بعد ذلك نتفاجأ بضياع أبنائنا.
لابد من توعية حقيقية شاملة للآباء والأبناء.