تاراباتاتوووه ومدخلتش غزة (10)
شخصيات كثيرة أثرت في لن تكفي صفحات الموقع لسردها لكن لا أستطيع ألا أتحدث عن شخصية الدكتور بهاء البدوي وهو من العريش حين تراه تجد نور الإيمان يخرج من ملامحه فهو شخصية مكافحة وممن يقال عنهم رجل بألف رجل فهو يسافر من العريش لمصر خلال الاسبوع الواحد أكثر من أربع مرات فقط ليتفق على أمر بسيط يمكن تقديمه لأبناء العريش الصغار، وحمل همنا من أول يوم وصول رغم أنه ليس من أعضاء الإتحاد أو غيره وكان يشعر بما يعتمل في أنفسنا من مشاعر العجز وقلة الحيلة فكان يرتب لنا الأحاديث في الإذاعة أو التعرف على الجمعيات ونشاطاتها وكان يستقبلنا في منزله حيث تصنع لنا زوجته البسكويت العريشي.
وكأن أبا رحيما متميزا يصحب أبنائه الذكور معه ليتعلموا منه ومعه فنون الحياة ويتحمل بعد يوم شاق فيه من النزول والصعود الكثير "دلع" بناته الصغيرات وإصرارهن على اللعب معه قبل النوم الذي لا يطال منه أكثر من ثلاث ساعات يوميا، فمن يذهب للعريش عليه أن يبحث على دكتور بهاء فقط ليعلم أن الحياة لا زالت بها رجال يصنعوا غد جديد ويتعلموا معه فن الاستماع والأقوال الحكيمة والقدوة والإيثار، ورغم يقيني بأنه لن يقرأ تلك المدونة ولن يعلم عنها شيئا إلا أنني أرفع له القبعة احتراما وتقديرا لشخصه الكريم المعلم، بقي أن أقول في عجالة بعض الدروس التي تعلمتها:
0 لا صوت يعلو فوق صوت القرار السياسي فلا مرض ولا إنسانية ولا أي شيء.
0 تقوية الإرادة أمر ليس سهلا ولكنه صار غير مستحيل.
0 معرفة الناس كنوز بحق.
0 تعرف الناس في السفر وهذه الجملة شرف لي حيث قالها لي الدكتور المهدي مادحا، وأنا أقرها.
0 أحيانا قد يسبق العقيدة والقضية المشاعر الإنسانية فحين تعاملت بعمق مع الأجانب وانطونيوس لم أتعامل معهم في حالة من الرخاء من خلال مؤتمر علمي أو التواجد في فنادق لتقديم ورقة أبحاث ولكنني عاشرتهم على المعبر حيث كانوا يبثوا مشاعر العجز والألم والحزن وهذا لم أكن أراه معهم من قبل وكذلك لن أنسى جملة أنطونيوس حين سألته قائلة "معلش يا انطونيوس أنا مصبرني على الوضع ده إني عندي قضية وعقيدة لكن انت ليه؟ قالي وأنا عندي دم! وفعلا سجل اسمه في قوافل ذاهبة للسودان قريبا.
0 العلاقات التي تنشأ من أزمة أو تكافل تظل محفورة في الوجدان أكثر من لحظات الفرح التي تجمعك مع أشخاص تحبهم فلقد ثابرنا أسبوعا على الوقوف من العاشرة صباحا وحتى الخامسة المغرب وهذا جعل منا فريق كبير متكاتف افرز عن هذا الوضع عائلة جديدة غريبة من جنسيات مختلفة تتحدث بلغات مختلفة يتحدث كل فئة فيها بنص لسان ونص فهم لكن كانت لغة المشاعر أعمق وأصدق وأكثر تعبيرا جعلتنا نخرج بيانا أسميناه بيان معبر رفح تحدثنا فيه بشكل مبسط عما حدث ووقعنا عليه جميعا نحن معشر الإنسانية رغم اختلاف اللغة والعقيدة وقد قمت بتوثيق كل ما حدث على المعبر بالتصوير والفيديو وتم نشره في عدة مواقع الكترونية وبعض الصحف الهامة المقروءة.
شكرا للمعبر وشكرا لعدم العبور فهذا الأسبوع أثرى خبرتي عن نفسي وعن الحياة والبشر ولم يكن لي أن أتعلم أو أعرف كل هؤلاء البشر أو أن أقوم بهذا الدعم النفسي ببحبوحة من الوقت لو لم أقف على المعبر دون عبور، صحيح مدخلتش غزة لكن هي خرجت لي.
واقرأ أيضًا:
تاراباتاتوووو / يوميات مجنونة صايمة / من أنت؟