حاولت كثيرا ترتيب أفكاري لأتمكن من كتابة هذا المقال، ولكني للآن مشتتة الذهن ولا أعرف من أين أبدأ الحديث، ترى هل أبدأ من تلاشي مفهوم المسؤولية؟؟.. أم التهاون بالروح البشرية؟؟.. أم من شماعة القضاء والقدر؟؟ أم الاستهتار؟؟!
هو دكتور هشام حجاب طبيب لم يتعدَ عمره الخامسة والأربعين بأقصى تقدير، أستاذ أنف وأذن وحنجرة في جامعة الزقازيق، عيادته الخاصة -مركز تجميل خاص- ببرج عنتر أ (حتحوت) بحي المنتزة أمام معرض العقادين.
بكاه حي المنتزة بأكمله يوم الثلاثاء بسبب ذلك الحادث المأساوي، إذ خرج الطبيب من عيادته متجها للمصعد الخاص بالبرج -وهناك مصعدان واحد خاص بالطوابق الزوجية والآخر بالفردية وعيادته بالطابق السادس علوي- تحدث لجاره المحامي بالشقة المقابلة كعادته لا يخرج ولا يدخل دون إلقاء السلام ومداعبة من حوله بجميل الكلام، وفتح باب المصعد (ممكن تركزوا معايا فتح باب الأسنسير واتفتح معاه) وأكمل حديثه مع جاره ودخل للمصعد.
دخل للمصعد كي ينزل، ولكنه سقط!!.. لم يكن هناك مصعد خلف الباب رغم أن الباب قد فُتح، وللآن لا أعرف كيف يُفتح باب المصعد وهو غير موجود؟؟!!
سقط دكتور هشام ببئر-لا أعرف اسمه العلمي- المصعد، سقط دكتور هشام وفارق الحياة بنفس اللحظة، سقط دكتور هشام لأنه تخيل خلف الباب المفتوح مصعدا ينتظره كالعادة، ولم يكن يعلم أن من ينتظره هو الموت!!!
يدفع اتحاد ملاك البرج مبلغا شهريا لشركة صيانة المصعد، وهذا المبلغ بين الأربعمائة والخمسمائة جنيه مصري، لتكون الصيانة دورية بدون اتصال أو تبليغ عن عطل؛ فهذا البرج (حتحوت أو عنتر) برج أطباء معروف والزائرون له بالمئات يوميا.. فهل يدفعون المئات من الجنيهات رحمة ونورا على أرواح الضحايا؟؟!!
عندما سقط دكتور هشام مصدرا صوت ارتطام عاليا، خرج الجميع من عياداته ومكاتبه مفزوعين، وكلا بمخيلته آخر زائر أو مريض خرج من عنده هو الضحية.. وكانت صدمة وفاجعة للجميع أن الضحية كانت دكتور هشام حجاب!!.
أول ما ظهر من الطبيب هو حقيبته الطبية، أمسك بها أحد السكان (صاحب شركة خدمات إنترنت يتعامل معها الجميع بداخل البرج سواء عنتر أ أو عنتر ب) ممنيا نفسه بأمل إنقاذ الضحية، ولكن سرعان ما سقط الأمل مع الطبيب فالحقيبة علقت ببعض الأسلاك وبمجرد أن لمسها تطايرت منها المعدات الخاصة بالجراحة.
نزل الجميع مهرولا على سلم البرج لعل وعسى يكون هناك مخرجا للطبيب قبل أن يلفظ أنفاسه الأخيرة.. ولكن كان أمر الله قد نفذ، سقط الطبيب محتضنا (سوستة) المصعد وقد تحطمت عظامه وفتحت رأسه فتحة كبيرة تصل بين إحدى عيناه ومؤخرة الجمجمة من الخلف.
دخل صاحب شركة الإنترنت (محمد سرور) كي يعرف ما إذا كان هناك أمل لإنقاذه أو قد فارق الحياة؟؟!، وكانت الأخيرة مع الأسف!!، وحاول أن يهيئ الطبيب للخروج فقد تحطمت ساقاه تماما.. ولم يتمكن من إخراجه فهذه المهمة تحتاج شخصا نحيفا.
دخل شخص نحيف وبمساعدة صاحب الشركة تمكنا من انتزاع الطبيب من (سوستة) المصعد وإخراجه من هذا المكان وجاءت الإسعاف كالعادة متأخرة ومن بعدها الشرطة.. أسأل الله أن يغفر له ويرحمه؛ فوالله الذي لا إله إلا هو لم أسمع عنه كلمة واحدة؛ حتى ولو كانت نقدا بسيطا أبدا.
نعم قدره الموت ولا راد لقضاء الله، ولكن كيف لباب المصعد أن يُفتح وهو غير موجود خلفه؟؟!!.. أليس هذا خطأ يقع على شركة الصيانة؟؟!.. لماذا لم ينبه (البواب) السكان أن هناك عطلا ما بالمصعد؟؟!! أليس هذا خطأ بواب البرج؟؟!!.. وإذا كان الخطأ من شركة الصيانة والبواب أليس هذا بحد ذاته سوء اختيار وخطأ من اتحاد الملاك؟؟!
إلى متى سيظل الاستهتار بالروح البشرية سمة مجتمعنا؟؟!!، إلى متى ستظل كل حادثة مأساوية قضاء وقدر -إشمعنا الإيمان في دي بس؟- ولا راد لقضاء الله؟؟!!.. إلى متى سنظل نتعذب بنار الغلاء ولا يرخص إلا ثمن الإنسان؟؟!
ما ذنب الطبيب الطيب؟؟! من يتخيل أن باب المصعد يُفتح وهو غير موجود خلفه؟؟!! كان من الممكن أن تتبدل الأدوار وأكون أنا الضحية.. أو مئات الزوار!!.. من يتحمل مسؤولية هذا الحادث؟!.. إلى متى سيظل الاستهتار فاصلة؟؟! أما آن الأوان أن يكون نقطة بآخر السطر؟!!