لم يُخلق الإنسان هباء, فقط للأكل والشراب والتكاثر.. ثم الموت "وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ". بل خلق للعبادة.. والتعبد هو التفكر والتأمل العمل والبحث، شق طريق يستكمله الآخرين وهكذا تستمر الحياة، هو نظام الكون, الحركة الدائمة والسعي.. وكل نقطة نهاية ما هي إلا بداية لعقول أخرى, مع كل خطوة تتجسد عظمة الكون ومعاني الحياة.. تتجلى قدرة الخالق.. فيتحقق الهدف.. وهو الوصول إلى الله.. ذلك المعني العملي للعبادة, بل حق العبادة..
هي العبادة بالعقل قبل التسليم.. بالقلب قبل اللسان, بالروح قبل الأفعال.. باستخدام الفطرة كطريق وليس القبول بحقائق الأمور.. وفطرة الكون هي التغير, عدم الثبات (فلولا عدم الثبات.. لما كان للكون ثبات) كل ما بالوجود يتحرك, يعمل يتجاذب أو يتنافر في منظومة متكاملة وكأن الكل واحد.
وكذلك عقل الإنسان فالثبات له يعني التخلي عن فطرته _التفكر والبحث والتعبد_ مهما كان اختلاف الثقافات والمحاولات, المدارس أو المذاهب, كان هناك دائما البحث عن الخالق، عن التفرد الذي وَلَد الاختلاف والانتشار.. بحث وتفكر شمل كل مكونات الوجود المرئية وغير المرئية.. منهم من اهتدى, منهم من اقترب.. ومنهم اكتفي بالعلم ليكون له سيدا بدلا من مرشد ودليل.. {ورسلاً قد قصصناهم عليك من قبل ورسلاً لم نقصصهم عليك}، "مَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّىنَبْعَثَ رَسُولًا "، "وَمَا أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا لَهَا مُنْذِرُونَ (208) ذِكْرَى وَمَا كُنَّا ظَالِمِينَ"
لا نملك المعرفة الكاملة عن جميع رسل وأنبياء الله, فمنهم من خبرنا عنهم القصص القرآني, والأغلبية منهم لا نعلم عنهم.. ولكن لكل أمة مهما كانت لغتها, طبيعتها, مكانها, أو عصرها من بداية الخلق حتى بعث خاتم الرسل سيدنا محمد (عليه الصلاة والسلام).. كان هناك دائما رسول .. حامل رسالة، رسالة توحيد.. تلبية لتساؤلات ونداء الفطرة.. فطرة البحث والتفكر.. بداية طريق التعبد.. ما خُلق له الإنسان.. لتكون العودة للخالق.. للبداية بعدما يظن أنها النهاية.. فهو هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ، الظَّاهِرُ للعقول.. وَالْبَاطِنُ عن أبصار العيون.
واقرأ أيضا :
الجمال.. أم الأنوثة؟؟!!/ مجنون وأفتخر../ واقع الروح .. وخيال العقل/ نازك الملائكة والشعر الملحمي/ لوْ أنِّي قلتُ الشعرَ؟!/ قصص قصيرة جدا