يجب أن نتقبّل الإجراءات التي يتّخذُها أولياء الأمور (المراقبة، عدم تركهم لوحدهم، خروجهم فقط مع والديهم، الانتباه إلى طريقة تقبيلهم....)، وذلك التوجّس المفهوم والمقبول من احتماليّة اعتداء أحد على أطفالهم. فحتّى لو كنّا نحن محلّ إجراءات الأمان والتوجّس لا ينبغي لنا أن نغضب ونطالب بمعاملة خاصّة. سواء كان ذلك موجّها لنا أو مُوجّها لأولادنا مثلا.
فهْمنا وتقبّلنا لتلك الإجراءات هو الصواب، غضبنا أو استياؤنا منها شيء غير مُتاح لنا، أو لا ينبغي أن نراه كتظلّم مشروع لنا. أن نكون محلّ توجّس واتهام "مُحتمل" بالتحرش الجنسي شيء مُحبط ومزعج لا شكّ، وهذا إحساس مشروع، إذ نودّ أن يُعاملنا الناس بثقة... لكن هذا الاستياء نابع من نظرتنا لأنفسنا نحن، أما الآخرون كيف سيعرفون بواطننا ؟ ضع نفسك مكانهم ... لو كنتَ أبا أو كنتِ أمّا، كيف سيكون معْيارُك وممّن ستحذر بالضبط؟! لا يُمكنك ببساطة... لأنّنا لا نكتشف سوء الاشخاص إلا بعد وقوع الآفة، ولو كان التوقّع ممكنا لقلّت حالات الاعتداء الجنسي على الأطفال.. بل إن الكثير منها يكون من أقرب المقربين للطفل أو الطفلة ممن نستبعده تماما !
لذا الحلّ هو وضع قانون عامّ يسد الباب ويتجاوز عجز الإنسان عن معرفة "المعتدي الحقيقي" قبل الفعل، نظام وقاية. فوجود معتدٍ/مغتصب محتمل في الجوار لن يُشكل قلقا مريعا ومجهولا إذا ما وُضعت الحواجز. مثل أن أن نكون في قفص تحت الماء، مع احتمالية هجوم قرش علينا. سواء هجم أم لا فنحن في أمان، ولن نتعب نفسيا في التفريق بين قرش أبيض لطيف وبين آخر سيمزّقنا حتما!
وأضيف نقطة مهمّة أخرى، خصوصا بالنسبة للأطفال والمراهقين، حالات التحرش والاعتداء لا تكون عندهم "مع سبق الإصرار والترصّد". أي أنّهم ينساقون وراء تجربة أو إحساس فيجدون أنفسهم فاعلين أو مفعولين بهم، بعدها قد تتكرّر أو لا... ومن هنا إيجابية الإجراءات لأنّها تمنع ذلك الاحتمال.
ويُمكن أن نصل إلى درجة أعلى من الوعي الأخلاقي، إذا قبلنا بشعور الإحباط الناتج عن وضعنا في خانة "المعتدي المحتمل" وتجاوزنا ذلك الشعور لشعور آخر: هو الرضى والسرور بسبب المساهمة في وضع قانون يحمي الأطفال، حتى لو لم نكُن منهم، لأنّ تعميم القانون (الاجتماعي) والإجراءات يمنَع المعتدي الحقيقي من التسلّل واستغلال ثغرات نظامٍ رخو مُهمِل لسلامة الأطفال.
وأيضا تطبيق هذا القانون عليك، لا يُحوّلك لمتحرّش خبيث، فأنت ستبقى كما أنت، لكنه قطعا سيخنُق المتحرّش الحقيقي.
واقرأ أيضاً:
لماذا خرج الناس للشارع في الإسكندرية والمغرب؟ / عقلية التربّص للكوارث