كثيراً ما ننبه -نحن معشر النفسانيين- الناس إلى علاقة أسلوب تفكيرهم بمخرجات حياتهم. ولو جاز تغيير والأمثال والأقوال المأثورة، لقلنا: (قل لي كيف تفكر، أقل لك من أنت).
وفي بعض الأحيان قد يقع الناس ضحية التناقضات الوجدانية، فيصبح في أزمة حول خياراته وما يريد، والتناقض الوجداني Ambivalence أن يكون لديك عاطفتان متعاكستان تجاه أمر ما، فأنت من ناحية ترغب به، ومن ناحية أخرى تتمنى التخلص منه، ومن المؤكد أنك لو أمعنت النظر في حياتك وظروفها لوجدت لديك بعض التناقضات الوجدانية تجاه عدة قضايا.
من هذه التناقضات، تناقض التعامل مع المفروض مقابل الموجود، وأعني بالمفروض هنا الافتراضات التي يبنيها الإنسان في عقله، فقد تفترض أنك تستحق أو لا تستحق أمراً ما، وأن حصوله أو عدم حصوله يدل على شيء في طبيعتك، مثلاً حين تفترض أنك يجب أن تؤدي كل شيء بشكلٍ تام وكامل وإلا فأنت مقصر أو فاشل إذا لم تحقق هذا الافتراض،
ومن أشكال الافتراضات ما نطلق عليها وصف "الافتراضات الصامتة" فأنت تفترض من شخص تعرفه سلوكاً معين وإلا فإنه مقصر في حقك، هذا الفرض إن وصف وصف بـ "الصامت"؟، الصامت هنا أنك تفترض شيئاً من الآخرين دون أن تعلنه لهم، فتكون محبطاً لافتراضك وتوقعك أمراً والشخص المقابل لا يعلم عنه، وكم يحدث ذلك من قِبل الأهل تجاه أبنائهم .
أما الموجود فهو حقيقة المتوفر لك، أي الظروف والمحيط الحقيقي حولك، ومهما كان لديك من إمكانيات وقدرات، لكنها ستبقى محدودة في إطار المحيط والآخرين والزمن والمعطيات الواقعية.
يزيد مستوى التناقض الوجداني كلما رفض الشخص الاعتراف بحدود الموجود، وافترض مفروضاً غير موجود، أو أنه غير قابل للتحقق جزئياً او كلياً.
إن القدرة والكفاءة على التعامل مع التحديات الموجود تعني أن الشخص يتمتع بدرجات عالية من التكيف والمرونة، فالحياة كقارب في بحر، قد تكون ربان القارب، لكنك ضيف البحر والموج.
إن القدرة على التخطيط لتحقيق المفروض تعني وجود درجة عالية من مهارات الحياة، وأهم ذلك أن تصبح افتراضاتك معلنة لك وللآخرين، فلا تعود مبهمة صامتة.
فالموجود يحتاج - في حال كان صعباً- للصبر، والمفروض يحتاج - في حال كان معقولاً- للأمل، وبين كفتي الصبر والأمل يبزغ دور الإيمان بالله، والحديث الإيماني الذي تذكر به نفسك، وتشد به على قلبك، فتقول: (أيا نفس صبراً فلكِ أجر صبرك، ويا نفس اسعي فلكِ أجر السعي حتى لو لم تنولي مسعاكِ، فتوكلي ولا تتكلي، وأخلصي الدعاء فأنتِ في أقدار الله وفي فلك رحمته، وشدي عزائمك، بما يسر الله لك من حال، واصبري على المحال، أو استودعيه الله أجراً).
نواجه التحدي الحقيقي حين يصبح المفروض مبالغة، أو يصبح الواقع استسلاماً، وبلغة الإيمان؛ حين يصبح المفروض سخطاً لعدم الرضى بما قدر الله، وحين يصبح الواقع تواكلاً، دون توكلٍ وسعي.
بالتوازن الحقيقي تكون حياتنا مُرضيةً أكثر، فتوازن الحياة، يُعرف بأهم مؤشر عليه وهو مشاعر الرضى، فبين مفروضٍ معقول، وواقعٍ مقبول، يأتي الرضى، والحياة الطيبة، فاطلب من الله السداد في ما تسعى له، وفيما يهدي قلبك، لعلك تكون ممن يحيهم حياةً طيبة.
واقرأ أيضاً:
تبليغ الأخبار المزعجة في الأزمات الوبائية3 / يحدث معنا يا زميلي.. تجارة تطوير الذات