هل من حقنا التجسس على أبنائنا؟!1
فـن الوالديّة
ويؤكد الدكتور "حامد زهران" -عميد كلية التربية السابق بجامعة عين شمس، وأستاذ التربية- أن الحماية الزائدة لأطفالنا مثل الإهمال لهم، كليهما خطأ تربوي يعود إلى أننا لم نُعلِّم الآباء والأمهات فن الوالديّة، أي كيف يكونون آباءً؟؟ وكيف يعرفون أن التربية ليست عملية عشوائية؟؟ فهناك كثير من الأخطاء التربوية التي نرتكبها كآباء وأمهات دون أن نشعر ويكون مردودها خطيرًا، فتدليل الطفل لأنه أصغر الأبناء، أو تدليل الولد لأنه ولد وليس بنتًا، وتفضيل المتفوق دراسيًا عن أخوته، كل هذا لا يصح من الناحية التربوية، لأنه يُوغر صدر بقية الأخوة ويولد بينهم العداوة. كما أن التذبذب في المعاملة بين العقاب والثواب على نفس السلوك الذي يقوم به الابن؛ كأن أعاقبه مرة إذا تحدث أثناء حديثي مع جارنا، وأثيبه في مرة أخرى لنفس الفعل، كل هذا يحدث خللاً في المبادئ عند الأبناء. وهناك أيضًا تسلّط بعض الآباء الذين لا يعطون فرصة لأبنائهم في اختيار شيء أو إبداء رأي في شيء، وهذا أيضًا قصور في الوعي عند الوالدين. ويذكر الدكتور حامد زهران شكلاً آخر من أشكال التربية الخاطئة؛ وهو الاختلاف بين الوالدين في أسلوب التربية وفي القيم التي يوجهون أبناءهم إليها، مما يصيب الطفل بعدم الفهم وعدم معرفة الحقيقة، وبالتالي اهتزاز الشخصية.
ويلتقط الدكتور "محسن العرقان" -أستاذ الاجتماع بالمركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية-مصر- قائلاً: إن الحب هو القدرة على العطاء والأخذ أيضًا، ولذا فإن حب الآباء تجاه أبنائهم إذا تحول إلى خوف زائد ونوع من السيطرة؛ فهو حب مؤذٍ يصيب الأبناء بالتعاسة بعد ذلك، يجعلهم شخصيات مهزوزة لا تقدر على اتخاذ القرارات أو مواجهة المشكلات التي تصادفنا جميعًا في الحياة، ويحتاجون لطلب المشورة في كل صغيرة وكبيرة، ولهذا يضخِّمون المشكلات دائمًا، وتتحول لديهم التحديات العادية إلى مشكلات غير قابلة للحل، ولهذا فأغلب هؤلاء يصبحون انطوائيين، ويصابون بالإحباط، لأننا عندما نستطيع حل مشكلة ما والتغلب عليها نشعر بالثقة بالنفس ونحس بالسعادة، وهذا ما يفتقده هؤلاء الأبناء الذين شاء لهم حظهم أن يُربَّوا بطريقة خاطئة.
ولنا في رسول الله أسوة حسنة
في كتاب تربية الأولاد في الإسلام لعبد الله ناصح علوان -المطبوع بدار السلام للطباعة والنشر- يتحدث المؤلف عن الطرق التي يمكن أن نوصِّل من خلالها الموعظة إلى الأبناء بطريقة غير مباشرة حتى لا يشعروا أننا نتسلَّط عليهم، ومن هذا أسلوب القصّ، أي حكاية قصة فيها معنى ما تريد إيصاله إلى أبنائك، وكثيرًا ما كان الرسول صل الله عليه وسلم يفعل ذلك مع أصحابه. وكذلك عن طريق الحوار والاستجواب، فقد روى الإمام أحمد في مسنده عن عبد الله بن عمرو بن العاص -رضي الله عنهما- قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: أتدرون من المسلم؟ قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: المسلم من سلِم المسلمون من لسانه ويده، قال: أتدرون من المؤمن؟، قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: المؤمن من أمنه المؤمنون على أنفسهم وأموالهم، ثم ذكر المهاجر فقال: والمهاجر من هجر السوء فاجتنبه".
ويمكن أيضًا أن تدمج الموعظة بالمداعبة، فقد روى أبو داود والترمذي عن أنس بن مالك رضي الله عنه: أن رجلاً جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يستحمله بعيرًا من الصدقة ليحمل عليه متاع بيته، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إني حاملك على ولد الناقة، فقال الرجل: يا رسول الله ما أصنع بولد الناقة؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: وهل تلد الإبل إلا النوق؟" فأفهمه رسول الله صلى الله عليه وسلم بهذه المداعبة أن الجمل ولو كان كبيرًا يحمل الأثقال ما يزال ولد الناقة.
وكذلك يمكن أن تكون الموعظة بالتمثيل باليد أو بالرسم والإيضاح؛ فقد كان رسول- الله صلى الله عليه وسلم- إذا أراد أن يؤكد أمرًا هامًا يمثل بكلتا يديه إشارة منه إلى الأمر الهام الذي يجب أن يهتموا به ويتمثلوه؛ فقد روى البخاري ومسلم عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "المؤمن للمؤمن كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضًا، وشبّك رسول الله بين أصابعه".
وتكون الموعظة أكثر تقبُّلاً إذا امتزجت بالفعل الطبيعي فقد روي البخاريّ في صحيحه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم توضَّأ أمام جمع من الناس ثم قال: "من توضأ نحو وضوئي هذا ثم صلى ركعتين لا يحدِّث فيهما نفسه بشيء من الدنيا غفر له ما تقدم من ذنبه".
وكان -عليه السلام- ينتهز المناسبة ليقول الموعظة فتبدو وكأنها تعليق تلقائي، فروى البخاري عن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- قال: قدم رسول الله بسبي فإذا امرأة من السبي (الأسرى) قد تحلّب ثديها إذ وجدت صبيًا في السبي، فأخذته فألزمته ببطنها فأرضعته، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أترون هذه المرأة طارحة ولدها في النار؟ وهي تقدر على أن لا تطرحه، قلنا لا والله، قال: فالله تعالى أرحم بعباده من هذه بولدها".
وأخيرًا فعلى المربي أن يعي أنه إن لم يطبق ما يعظ به فلا أحد يقبل كلامه، ولن يتأثر أحد بموعظته، بل يصبح محل نقد واستهزاء واستهجان الجميع.
ومن وسائل تقوية الصلة بين الآباء والأبناء التشجيع بالهدية لقوله -صلى الله عليه وسلم- "تهادوا تحابوا" وكان عليه الصلاة والسلام يمسح رؤوس الصبيان ويقبَّلهم، جاء في الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها قالت: قبَّل رسول -الله صلى الله عليه وسلم- الحسن والحسين ابنا علي، وعنده الأقرع بن حابس التميميّ، فقال الأقرع: إن لي عشرة من الولد ما قبَّلت منهم أحدًا قط، فنظر إليه رسول الله -عليه الصلاة والسلام- ثم قال: "من لا يرحم لا يُرحم".
وكان عليه السلام يباسط الأطفال فقد روى الطبراني عن جابر قال: دخلت على النبي -صلى الله عليه وسلم- وهو يمشي على أربعة، وعلى ظهره الحسن والحسين، وهو يقول: نعم الجمل جملكما ونعم العيلان أنتما
واقرأ أيضا:
أينشتاين الصغير.. كيف أكتشفه؟ / أدب رسول الله _صلى الله عليه وسلم_ مع الأطفال