صديقي في ثمانيات القرن العشرين، كان من الأذكياء المتنبئين بما سيحصل في العالم، والحرب العراقية – الإيرانية مستعرة، وكان يقول لي دائما: أن العالم تديره قوى خفية، ويبدأ بوصف قادتها وكيف يظهرون بلحاهم الطويلة وما على رؤوسهم من قبعات متنوعة بأشكالها.
صديقي إلتقيته بعد غياب لأكثر من عقد ونصف، فوجدته في غاية الزهد والإنقطاع عن العالم المعاصر.
قلت: كيف الحال؟
- كما تراني
وأضاف، لا أريد التعامل مع معطيات هذا الزمان.
- - ماذا تقصد
- - لا أستخدم الهاتف النقال، ولا أتابع الأخبار، الحياة أكذوبة وهرولة وراء المصالح والتضليل قائد مستبد
- - يا عزيزي علينا أن نكون في زماننا
- -لا أريد زمانا مغشوشا، وسأبقى محافظا على ثوابتي الأخلاقية وقيمي
- - كل شيئ يتغير يا صديقي
- - "إذا أصيب القوم في أخلاقهم...فأقم عليهم مأتما وعويلا"!!
- احترت في أمره، وما عدت أشعر بأني أعرفه، فالزمن قد وضع حواجز كبيرة بيننا، وقد إرتهن بماضيه، ويأبى التفاعل مع عصره.
- وعندما أستحضر أيامنا الخوالي، ينطلق بكلامه، ويحدثني عن ليالي السمر الثرية بالأفكار والنقاشات العميقة، التي كنا نحلل بها الأوضاع ومآلاتها الجسيمة.
- - كل ما كنا نتحدث عنه قد حصل!!
- - لا يسمعنا أحد، فالكل تدري وتعرف، ونحن الجهلاء
- - الكراسي عالمة والشعوب مغيبة الوعي والضعفاء على دين الأقوياء
- - لنترك أيامنا الخوالي، وحدثني عن أيامك
- - أعيش في عزلة عن كل شيء، فالحياة ما عادت ذات قيمة، والبشر أرقام جاهزة للمحو
- - أصبحت حالة أخرى يا صديقي
- - هكذا علمتني الحياة، بعد أن سقطت جميع الأقنعة!!
- ودعته متحيرا والألم يعتصرني، فنحن من الجيل المغضوب عليه بالحروب، والحرمان من بواعث الحياة والأمل!!
واقرأ أيضًا:
العرب يتحاربون!! / رَحْمُ الزمان!!