![]() |
تحَمَّلَ خطايا الآخرين برصاصة غادرة في ظهره قضى على إثرها نحبه وهو في الثالثة والثلاثين من عمره!
لم يأت أحد قط إلى عزائه..
لم يسر أحد في جنازته..
لم يأبه أحد بموته..
باستثناء صديقه "نك"! الذي انتهى به الأمر في مصحة نفسية يعاني اضطرابات ذِهانية، يشعُر بالاشمئزاز ليروي لنا قصته!
عندما شاهدت فيلم "جاتسبي العظيم" أول مرة للفنان ليوناردو ديكابريو المبدع، وكيف كانت عيني "جاتسبي" الأرجوانية تشع بالآمال فتضيء حياة كل من حوله، كل من احتك به أو اقترب منه، حد أن وصل به الأمل أنه كان يسعى بإيمان وجديَّة لترميم أخطاء الماضي في أوان قد فات بالفعل، لكنه كان مصرا بشكل عجيب على إصلاح الماضي البعيد المستحيل، وقد كان صديقه "نك" يحاول إثناءه عن ذلك، لأنه ببساطة مستحيل، وحاول نك صدام جاتسبي أكثر من مرة، لكن بقيت آمال جاتسبي وهَّاجة مشعة لا تنطفئ ولا تخفت أبدا.
جاتسبي الذي كان يبث الآمال في نفوس كل من حوله..
جاتسبي الذي كان لا يعرف سوى الآمال الأبدية التي لا تخفت أبدا..
جاتسبي الذي كانت داره مزارا دائما لسكان الولاية جميعا بدعوة عامة بلا شروط، يرتعون ويسهرون، يسمرون، يرقصون، ويسعدون فيها بلا حساب.
تحَمَّلَ خطايا الآخرين برصاصة غادرة في ظهره قضى بها نحبه وهو في الثالثة والثلاثين من عمره!
لم يأت أحد قط إلى عزائه..
لم يسر أحد في جنازته..
لم يأبه أحد بموته..
باستثناء صديقه نك.
كانت هذه هي المرة الأولى التي فهمت وتعرفت فيها على المسيح عيسى بن مريم، رغم ثقافتي الدينية نوعا ما.
كيف كان الأكمه والأبرص وكل يائس ومريض يأتي ليتمسح فيه ولو خلسة فيُشفى بإذن الله، وجال بمخيلتي طفل صغير يرجوه أن يعيد له أمه للحياة لفقدانه الشديد وتألمه لموتها، فيحيها له بإذن الله.
المسيح الذي سمي بالمسيح، لأنه بمجرد مسحة على رأس مريض مهما كان مرضه يشفى بإذن الله.
المسيح الأمل الذي كان يراود الجميع، الأفق الذي يسع من ضاقت عليه الطرق وسُدت في وجهه المنافذ أن يتمسح به.
كم من آمال مستحيلة أحالها المسيح بمسحة بسيطة إلى حقيقة حية تنبض على الأرض.
المسيح هذا كاد له الجميع ليقتلوه!
باستثناء حوارييه!
المسيح أيضا تحمل خطايا الآخرين بطريقة ما وهو في الثالثة والثلاثين!!
حتى يحيى عليه السلام الذي كان يحبه الجميع قاطبة، حتى الطير والزواحف والحيوان عندما يجدونه ينطلقون لعناقه! كانت رأسه هدية لبغي عاهرة وهو لم يتزوج بعد!
عندما طأطأ امرؤ القيس رأسه وبكى ونحب حين ما قال له قاتلي أبيه وهادمي ملكه أنظرنا حتى تضع الأجنة، أخذته الرأفة فيمن قتلوا أباه ولم يثأر له وقتها ولم يهتم لإرثه الملك، وأنظرَ قاتلي أبيه عاما حتى تضع الحوامل الأجنة!! فما ذنب الأجنة؟!
هذا الملك الضِلِّيل الرقيق تحمل أيضا خطايا الآخرين ومات غدرا بعباءة مسمومة بعد وشاية!
وهو الذي قال في قصيدة له:
لم تقتلي المشهور والفارس الذي يفلق هامات الرجال بلا وجل!
كم تمنيت أن تكتمل القصة بنهاية سعيدة يوما، لكن يأبى القدر، يعيدها ويقرها التاريخ بمرور الأحقاب كما لو أنها سنة أبدية.
كم تمنيت
أن يحظى جاتسبي بحب عمره
أن يملأ المسيح الأرض نعيما وهناء.
أن يملأ يحيى الأرض إنسانيةً وحباً ورقة.
أن يثأر امرؤ القيس لأبيه، أو على الأقل يستعيد مُلكه.
عندما أرى شابا رقيقا يبث الآمال في نفوس الآخرين بكل صدق، عيونه أرجوانية، يتحمل خطاياهم، يزوره الجميع ولا تجده زوارا أبدا، عندما أراه أتذكر نظرية المسيح.
واقرأ أيضًا:
قطيعة قاسية جدا!! / سحر الدعاء: لماذا لا يستجيب الله لدعائنا؟