فاجأتني رسائل العديد من الأصدقاء والقراء حول مقال الأسبوع الماضي، «أن نحتفي بإخفاقاتنا»، تلك الرسائل التي لم تحمل عبارات الإطراء والمجاملة المعتادة، بل اعترافات شجاعة عن... الفشل!
المدهش هو أن معظم من أرسل تلك الرسائل هم من الناجحين في مجالاتهم، وبعضهم من أعلام الريادة في عالم المال والأعمال، لكن رسائلهم لم تكن عن أبرز إنجازاتهم، بل عن قصص لتجارب لم تنجح، ومشاريع واعدة انهارت، وأحلام نبيلة تحطمت، وقرارات خاطئة كلفت أصحابها الكثير، ورغم الخيبة التي قد يشعر بها الكثيرون ممن يمر بكل هذا، فإن أصحاب الرسائل كانوا يؤكدون على أن ما تعلموه من تلك التجارب كان أحد أسباب نجاحهم وتفوقهم، وشكروني لأنهم رأوا أن المقال فتح باباً كان موصداً ليعطي الناس الإذن الذي كانوا ينتظرونه ليتحدثوا عن تجاربهم الفاشلة دون خجل، ويشاركوا دروسهم دون خوف من الحكم عليهم!
كل قصة قرأتها في رسائل الأصدقاء كانت كنزاً من الحكمة المكتسبة بالألم، وكل اعتراف كان درساً يستحق أن يُروى ويُسمع، وبينما أنا أتأمل في المفارقة التي تجعل أقسى التجارب بوابة لأعظم النجاحات، خطرت لي فكرة قد تبدو مجنونة للوهلة الأولى، فإذا كان الفشل هو المعلم الأعظم، وإذا كانت دروسه أقوى من دروس النجاح، وإذا كان الناس متعطشين لسماع قصص حقيقية عن التعثر والنهوض، فلماذا لا نؤسس تقليداً جديداً؟ لماذا لا يكون لدينا... «مؤتمر سنوي للفشل»؟
تخيلوا معي قاعة مليئة بالحضور، لكن المتحدثين ليسوا هنا ليتباهوا بإنجازاتهم، بل ليحكوا عن إخفاقاتهم، رجل الأعمال الناجح يحكي عن الشركة التي أفلست وكادت تدمره، الطبيب المرموق يتحدث عن رسوب أحد سنوات الدراسة والذي علّمه التواضع، الكاتب المشهور يروي قصة الكتاب الذي رُفض عشرات المرات، كلٌ يقف بشجاعة ويقول: «هكذا فشلت، وهذا ما تعلمت»، لن تكون محاضرات تقليدية، بل جلسات صدق نادرة، حيث يخلع المتحدثون أقنعة الكمال ويظهرون بإنسانيتهم الحقيقية، لا يحكون ما حدث فقط، بل كيف تعاملوا مع الخيبة، وكيف وقفوا من جديد، وما الذي تغير في نظرتهم للحياة.
في هذا المؤتمر يمكن أن تكون هناك ورش عمل حول «فن الفشل الذكي»، و«كيف تحول الفشل إلى فرصة»، و«متى يجب أن تستسلم ومتى يجب أن تستمر»، كما قد يحتوي المؤتمر على محاضرات متنوعة ومتخصصة في أنواع الفشل، «فشل في ريادة الأعمال»، «فشل في العلاقات»، «فشل في التربية»، «فشل في اتخاذ القرارات»، وحتى «فشل في الفشل» وهي محاضرة مخصصة لمن حاولوا أن يفشلوا بشكل مفيد ولم ينجحوا!
أعلم أن الفكرة قد تبدو غريبة، فمن سيحضر مؤتمراً عن الفشل في عالم مهووس بالنجاح، لكننا ماذا لو بدأنا بلقاء شهري في مقهى، أو حلقة نقاش في نادٍ ثقافي أو ندوة في جامعة، ولعل الفكرة قابلة للنمو والانتشار، لأنها تلبي حاجة إنسانية أصيلة، حاجتنا للتعلم من أخطاء الآخرين، وللشعور بأننا لسنا وحدنا في فشلنا، ولنفهم كيفية تحويل الألم إلى معنى.
في النهاية، إذا كنا فعلاً نؤمن أن الفشل هو المعلم الأعظم، فلماذا لا نعطيه المنبر الذي يستحق؟ لماذا لا نحتفي به احتفاءنا بالنجاح؟ لماذا لا نجعل من قصص فشلنا إرثاً نتركه للأجيال القادمة ليتعلموا منه؟
قد تكون فكرة المؤتمر مجنونة، لكن أليست أجمل الأفكار تبدأ هكذا؟ وحتى لو فشلت الفكرة، فقد يكون فشلها درساً آخر نتعلم منه، وقصة أخرى نرويها... في المؤتمر القادم للفشل!
نقلا عن جريدة القبس
واقرأ أيضًا:
الشهادات.. لا تمنح الحقيقة! / أن نحتفي... بإخفاقاتنا!
