عقدة سندريلا (2) منشأها وبعض مظاهرها
5- التقليل من قيمة القدرات الخاصة :
أظهرت الدراسات أن البنات لديهن مشكلات فيما يتعلق بمجال ثقتهن بأنفسهن; دائما يقللن من قدر قدراتهن وعندما تعرض عليهن مهام مختلفة سواء كانت مهام مألوفة لديهن أم جديدة عليهن فإنهن يعطين لأنفسهن تقديرات أقل مما يفعل الذكور وقد أظهرت إحدى الدراسات أنه كلما كان ذكاء البنت مرتفعًا كان التوقع أقل في أن تكون ناجحة في الأعمال الذهنية وفى المقابل كانت البنات الأقل ذكاء لديهن توقعات أعلى لأنفسهن من البنات الأعلى ذكاء.
إن الثقة المنخفضة بالنفس هي لعنة الكثير من البنات، وتؤدى إلى الكثير من المشكلات فتكون البنات قابلات للإيحاء بدرجة كبيرة ميالات إلى تغيير أحكامهم الإدراكية إذا ما تعارضت هذه الأحكام مع أحكام الآخرين، إنهن يحددن مسئوليات أقل لأنفسهن فبينما يرحب الصبيان بتحمل المسؤوليات الكبيرة تحاول الفتيات تجنبها تمامًا.
6- أنظمة التخسيس القاسية:
وهي من أعراض الاعتمادية والتي تؤثر على النساء بصفة خاصة وتتمثل في مرض فقدان الشهية العصبي (Anorexia Nervosa القهم العصبي) وهى ما تسمى زملة الجوع الشاذة The Bizarre Starvation Syndrome والتي تمارس فيها البنات الأنظمة الغذائية القاسية بهدف التخسيس كمحاولة جزئية ومتناقضة لتمارس التحكم والضبط في حياتها ويدخل في هذا النظام الغذائي القاسي 1% من مجموع البنات ومن هؤلاء البنات اللائي يمارسن هذا النظام يوشك 10% منهن على الموت.
7- الزوجات المُساءة معاملتهن:
وهذه فئة أخرى من ضحايا الاعتمادية العصابية وهن الزوجات اللاتي يتعرضن لمعاملة سيئة Battered Wives وحقيقة أن كثيرًا منهم يعتمدن اقتصاديًا على أزواجهن الذين يضربونهن مما يزيد الأمور سوءًا، فالاعتمادية ليست انفعالية فقط، وبعضهن يصلن إلى مرحلة قلة الحيلة المتعلمة أو مرحلة العجز المتعلم Learned Helplessness وسوف نشير إليها عندما نتحدث عن عوامل العقدة وأسباب وجودها.
8- خيانة الأب:
يحدث مع كثير من النساء اللاتي بدأن في النجاح وشق طريقهن نحو الشهرة في الأعمال الذهنية والإبداعية أن يجدن أنفسهن في وضع يعجزن فيه عن الإبداع وذلك إذا ما تأثرت علاقتهن بآبائهن، وكأن الدعم الوالدي كان دافعهم الحقيقي وقد حرمن منه وبالتالي فليس هناك من جدوى أو قيمة للعمل أو الكفاح، إنها صدمة للمرأة ولاشك حيث تخبر على المستوى اللاشعوري في هذه الحال أن الاستمرار في العمل والنجاح خيانة للأب وكيف تتجرأ على أن تنجح وتنجز إنجازًا لا يرحب به الأب أو لا يوافق عليه أو أن يتجاوز أنجاز الابنة إنجازه هو؟ تذكر مولتون حالة سيدة جاءت لها بعثة دراسية إلى أوروبا وكان والدها رافضًا لسفرها ولكنها أصرت على رأيها وسافرت وبعد ذلك لم تعد العلاقة بينهما كما كانت وبعد عشر سنوات مات الأب وقد اكتشفت السيدة أنها فقدت الأب عندما خالفته لأول مرة في الرأي .
9- خيانة الأم :
لا تجد البنت الصعوبة من جانب الأب فقط ولكنها قد تجدها أيضًا من جانب الأم ، وكثيرًا ما تكون مطالب الأمهات أكثر إلحاحًا ومشقة في تنفيذها وبالتالي فإن كلا الوالدين يسهم في خلق الصعوبات التي تقف في وجه حصول المرأة على حريتها، وهناك نمط من الأمهات التي تميل إلى أن تكون اعتمادية على ابنتها كما أنها معتمدة على زوجها و قد تشعر بالذنب ولكنها لا تدعم جهود ابنتها للتحرك لحسابها وحسب ما تريد ابنتها .
10- رفض قيادة المرأة :
في العقود الأخيرة كان لعلماء النفس والتحليل النفسي -بصفة خاصة- وعلماء الاجتماع جهود كبيرة في دراسة حياة المرأة في كل أطوارها كطفلة وشابة وامرأة ناضجة في مرحلة منتصف العمر وتحولاتها فما الذي ظهر في الصورة النفسية الجديدة ؟؟ أظهرت الدراسات على سبيل المثال أن النساء لا تردن ولا ترغبن في الاعتراف بالنساء الأخريات كقائدات وفى إحدى هذه الدراسات قدم باحثون من جامعة ديلاوير إلى مجموعة مختلطة من المفحوصين شريحة تظهر رجالاً ونساء جالسين إلى مائدة مؤتمر وعلى رأس المائدة يجلس رجل وفى شريحة أخرى مجموعة مشابهة ولكن ترأس الاجتماع في هذه الحالة إحدى السيدات فوجدوا أن المفحوصين من الذكور والإناث اتجهوا إلى الشريحة التي تمثل الاجتماع الذي يرأسه الرجل.
(ولكن لوحظ أنه في حالة ما إذا كان كل المشاركون في الاجتماع من النساء هنا فقط كانت تقبل قيادة المرأة )، المرأة تقرر أو تفصح عن مخاوف وعن حيرة أكثر مما تريد أن تعمل،إنهن يكن مشغولات جدًا بما إذا كن قد تصرفن على النحو السليم أم لا ؟
11- وجهة الضبط الخارجية :
عندما تحل النساء مشكلة رياضية صعبة – على سبيل المثال – فإنها قد تنسب نجاحها إلى قدراتها أو إلى الحظ أو إلى حقيقة أنها حاولت محاولة جادة أو أن المشكلة كانت سهلة، وطبقًا لنظرية الغزو أو نظرية وجهة الضبط فإن النساء أكثر احتمالاً في أن ينسبن النجاح إلى مصادر خارجية ، والحظ عامل من العوامل المرشحة بقوة في هذا الصدد.
وبينما لا تستفيد المرأة من نجاحها كما ينبغي فإنها تميل لنسبة الفشل إلى نفسها، أما الرجل فيميل إلى استدخال أسباب الفشل وطرحها على شيء ما أو على شخص آخر، فالنساء مختلفات عن الرجال في هذه المسألة فهناك الكثير من النساء لديهن استعداد لتقبل اللوم وتشربه كما لو أنهن قد ولدن وعليهن هذا القدر المكتوب من ارتكاب الأخطاء، وتخلط كثير من النساء بين تحمل اللوم فيما لم يخطئن فيه، وبين الإيثار والتضحية والرغبة في رؤية المناخ هادئًا ومستقرًا والنساء بخلاف الرجال يتلقين اللوم كما لو كن يستحقونه بالفعل .
12- الانصهار والاندماج في الزواج :
الانصهار Fusion هو المصطلح الذي يستخدم في الأدب السيكولوجي الذي يصف العلاقات بين الناس بصفة عامة والعلاقات بين الأزواج بصفة خاصة، ويصف المصطلح الحال التي يكون فيها أحد الطرفين أو كلاهما خائفًا من أن ينفصل عن الآخر أو أن يبقى وحيدًا ومستعدًا للتنازل عن هويته الفردية لحساب بناء هوية مدمجة Merged Identity، مع ملاحظة أن الزوجات أكثر من الأزواج ميلاً إلى الانصهار مع الطرف الآخر.
إن الرغبة في الاندماج بشكل تعايشي مع الآخر لها جذورها الأصلية في الطفولة وفي الرغبة العميقة في إعادة الاندماج مع الأم ويرى بعض العلماء أن الراشدين الذين يحاولون الانصهار مع رفقائهم إنما يمثلون أو يعبرون عن دفعات نكوصية شبيهة بتلك الموجودة عند الرضيع، والتناقض الوجداني أو التذبذب نحو الاستقلال الذي يشعرون به يتجلى عندما يرتعبون من الانفصال ومشاعر الاحتياج والوحدة، مع الرغبة في النمو بتحقيق المزيد من الاستقلال .
وفى مثل هذا الزواج الذي تكون فيه الزوجة مندمجة أو منصهرة على نحو قوي مع الزوج يبقى الزوجان منصهرين سنة وراء أخرى. وهما في هذه الحالة يبقون على المستوى السيكولوجي وكأنهم في مرحلة طفولية من النمو الانفعالي والاجتماعي وإذا كانت الزوجة في معظم الحالات هي الطرف الفعال في إنشاء هذه العلاقة الاندماجية فإن الزوج مسئول ولو بشكل جزئي في مجاراة هذا السلوك على نحو يبقي على هذه الرابطة، بل إنه يسقط في الشبكة التي تضعها زوجته له، فإذا كان خارج المدينة لعمل ما فإن عليه أن يهاتف الزوجة، وتحاول الزوجة بناء حياة اجتماعية بحيث تحيط أسرتها بمجموعة من الأصدقاء الذين تنتقيهم بعناية بحيث يرضون الزوج .
وقد لاحظت (جيسى برنارد) -وهى أستاذ علم الاجتماع- في كتابها مستقبل الزواج أن النساء القادرات على أن يقمن بشكل استقلالي بشئون حياتهن قبل الزواج يصبحن قليلات الحيلة في غضون مدة تتراوح بين 15-20 سنة بعد الزواج. وتشير إلى أن إحدى السيدات كانت تدير قبل الزواج وكالة سفريات وكانت الوكالة ناجحة بكل المعايير ولكنها تزوجت وترملت وسنها 55 عاما ،وعند هذه اللحظة لم تكن تعرف كيف تستخرج جواز سفر خاص بها، أو أن تواجه بقية تحديات الحياة . والجزء المقابل من هذه الأمثلة بالطبع هي أن الرجال كآباء وأزواج أقوياء قادرون على الحماية والقيادة .
إن النموذج يقول أن النساء هن الطرف المنوط به تربية الأطفال والعناية بهم ولكن النموذج لا يأخذ في حسبانه الجانب الآخر من الصورة الذي يحدث في بعض الحالات، وهى الحالات التي ينظر فيها النساء إلى الرجال متطلعات إلى نفس الحماية والدعم والتشجيع الذي يتوقعه الأطفال من آبائهم.
ولكن بعض هؤلاء النسوة سرعان ما يكتشفن بعد زواجهن بفترة قصيرة أن أزواجهن كأي أفراد آخرين، وأنهم في سبيل تحقيق أهدافهم الشخصية يشعرون بالقلق وعدم الأمن ويعانون من القصور والفشل في بعض الحالات، وتقول برنارد أن زوجات مثل هؤلاء الرجال إذ كن يحلونهم مكان الأب ولازلن يعتقدون أنهم قادرون على كل شيء فإنهن يصبن بخيبة الأمل والغضب.
وعندما تكتشف النساء أن الزواج لم يوفر لهن الأمان الحقيقي فإن حالتهن تكون هي الحالة التي تصفها الأغنية القائلة "أنت لا تستطيع أن تدير حياتك فهل تستطيع أن تدير حياتي أنا؟ "وتقول السيدة برنارد أن إحدى صديقاتها قالت وهي تشير إلى زوجها: "كيف يمكن لهذا الشخص المحمل بالأخطاء أن يكون مسئولاً عني".
المصدر : مجلة علم النفس عدد 67/68 (يوليو ديسمبر 2003)
ويتبع >>>>: عقدة سندريلا (4) مظاهر العقدة